أثار الحضور الشخصي لرئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري القمة اللبنانية ـــ السعودية في الرياض على يمين رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال لقائه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز موجة من التأويلات والتفسيرات والاجتهادات السياسية في لبنان تركزت حول المعاني السياسية لحضور الحريري ومشاركته في القمة وانعكاساتهما على تطورات الوضع اللبناني وموازين القوى التي تتحكم بالواقع اللبناني، لاسيما لناحية تشكيل حكومة جديدة ومواقع السلطة بمستوياتها كافة.

Ad

وإذا كانت الجهات السياسية في «قوى 14 آذار» و»8 آذار» التقت على اعتبار الحضور بمثابة رسالة سعودية لا الى الداخل اللبناني فحسب، بل الى الفاعلين إقليميا ودوليا من طهران الى دمشق، ومن موسكو الى واشنطن، فحواها تمسك المملكة بدور محوري لها على الساحة اللبنانية من خلال علاقتها التاريخية بآل الحريري، فإن الجهات المذكورة اختلفت في تقييمها للترجمة العملية للرسالة السعودية على أرض الواقع.

وإذا كان البعض قد اعتبر دعوة العاهل السعودي الرئيس سعد الحريري إلى حضور القمة اللبنانية – السعودية خلافا لأي قواعد أو متطلبات بروتوكولية، بمثابة دليل على تمسك المملكة بحلفائها ورفضها أي محاولة لتحجيم دورهم أو إقصائهم عن اللعبة السياسية تحت أي ظرف من الظروف، فإن قيادات بارزة في «14 آذار» لا تخفي ارتياحها للخطوة معتبرة إياها بمثابة دعوة من المملكة الى خصوم الحريري للإقلاع عن رهاناتهم على أي تسوية دولية أو إقليمية لتكريس الأمر الواقع الحالي الذي قام على أساس إقصاء الحريري وفريقه السياسي وحلفائه عن مواقع السلطة في لبنان.

وبحسب هذه القراءة، فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز والقيادة السعودية أرادا من خلال صورة «اللقاء الجامع» الرد المباشر على محاولات الضغط على الحريري وفريقه لإجبارهما على التنازل السياسي والرضوخ للشروط السورية الإيرانية في لبنان بحجة أن المملكة العربية السعودية تلقت صفعة سياسية من خلال التفاهم الروسي- الأميركي في شأن الترسانة الكيماوية السورية، ومن خلال المفاوضات الغربية الإيرانية في شأن البرنامج النووي الإيراني.

ويبدو أن المملكة العربية السعودية تصر اليوم أكثر من أي يوم مضى على أن دورها في المنطقة ووجهة نظرها من التطورات على ساحاتها ليسا رهينة الإرادة الدولية، بل وليد خيارات استراتيجية غير قابلة للمساومة. وبالتالي فإن سعي «قوى 8 آذار» ومن خلفها طهران ودمشق للاستفراد بالساحة اللبنانية من خلال حملة نفسية ومعنوية وسياسية وإعلامية لإخضاع «قوى 14 آذار» وجرها الى تسوية لا تعكس حقيقة موازين القوى المحلية والإقليمية، سيواجه بموقف سعودي صلب وغير قابل للمساومة.

وتشبه جهات دبلوماسية عربية رفيعة في بيروت الصورة التي جمعت الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري في الرياض أمس الأول بتلك الصورة التي جمعت قبل سنوات قليلة في دمشق الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

وتنطلق الجهات الدبلوماسية المذكورة من هذه المقاربة لتؤكد أن الرياض ماضية في مواجهة أي محاولة إقليمية أو دولية من أجل تسويات وصفقات على حسابها وحساب حلفائها. وهي كما نجحت في دفع الولايات المتحدة الأميركية الى فتح صفحة تعاون مع مصر بعد طول تحفظ من واشنطن على الثورة التي أطاحت الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين، ستعمل على الخط اللبناني من أجل قطع الطريق على أي محاولة سورية – إيرانية للاستفادة من التسويات الإقليمية والدولية من أجل إحياء دور نظام الرئيس السوري بشار الأسد أو تحويل لبنان الى جائزة ترضية للنظام الإيراني لقاء تخليه الكلي أو الجزئي عن برنامجه النووي.