عنوان رواية {لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة} الذي يبدو غريباً هو استعارة من إحدى خطابات الرئيس السوري السابق أمين الحافظ، عندما كان يتوعد أهالي مدينة حماة السورية. ومن وقتها أصبحت هذه المدينة ككل المدن العربية منزوعة السكاكين لكنها مزروعة بالسلاح الأشد فتكا‮... ‬الخوف‮ كما يقول خليفة الذي بدأ كتابة روايته عام 2007 واستمر في الكتابة حتى بداية عام 2013 لتكون مرآة للواقع الذي يحصل في سورية وتعبّر عما يعانيه الشعب العربي عموماً والسوري خصوصاً، وترصد الجانب الأكثر حضوراً في زمن سورية البعث وهو الخوف.

Ad

تستكمل الرواية ما بدأه خليفة في رواية {مديح الكراهية}، لتختزل معاناة مدينة حلب خلال نصف قرن وتغيرها العمراني، الاجتماعي، والاقتصادي، منذ تسلم حافظ الأسد السلطة، وقيادته حزب البعث، وهيمنتهما مع الأجهزة الأمنية على الأرزاق والأعناق.

آليات الخوف

 تغوص الرواية فى آليات الخوف السوري والتفكك خلال نصف قرن، كما هي رواية عن مجتمع عاش بشكل متواز مع البطش والرغبات المقتولة، عبر سيرة عائلة تسكن حي‮ {‬ميدان أكبس‮} ‬في حلب،‮ ‬اكتشف المؤلف أن أحلامها كافة ماتت وتحولت إلى ركام، يعيد من خلالها رسم حياة مدينة وسكانها الذين‮  ‬يتقاسمون هواء مدينة واحدة خائفين من بعضهم البعض. تبدأ الرواية بالمقطع الآتي: في طريقي إلى المنزل تذكرت أن أمي لم تبلغ الخامسة والستين من عمرها كي تموت بهذه الطريقة المفاجئة، فرحت في سري واعتبرت أن هذا الحدث تأخر عشر سنوات بسبب تشكيها الدائم من نقص الأوكسيجين (...) أمي في سنواتها الأخيرة أقامت فيها ولم ترغب بهجرها، لم تصدق بأن الرئيس مات كأي كائن، رغم مراسم العزاء والحداد الوطني، التلفزيون بث صوره وخطاباته القديمة، استضاف مئات من الأشخاص عدّدوا خصاله، ذكروا ألقابه اللامتناهية بخشوع كبير، غصت عيونهن بالدمع وهم يذكرون فضائل الأب القائد، قائد الحرب والسلم، حكيم العرب، الرياضي الأول، القاضي الأول والمهندس الأول... يشعرون بغصة كبيرة لأنهم لم يقولوا الإله الأول}. هذه الفقرة كافية لتبين واقع الوضع المأساوي في سورية وما يحمله النظام الشمولي من لغات كارثية.

«سوسن} هي الابنة الفاتنة التي جنّدها الحزب في {كتائب المظللين}، فكتبت تقارير عن زميلاتها في المدرسة وانغمست في علاقة عشق مع الرفيق منذر القريب من القيادة، والذي ينتقل إلى دبي ليعمل لدى أحد المتورطين في قضايا الفساد والسلاح. لكنّه يرفض بعد ذلك الزواج بها بسبب اختلافاتهما الطائفية. وعلى إثر صدمتها، تعود سوسن إلى سورية لتجرّب حياة أخرى كامرأة محافظة، وبعد أن تفشل في إغواء مدرس اللغة الفرنسية (جان)، الذي يفضّل عزلته وإعادة ترجمة أعمال بلزاك، تجنباً للتورط في مدينة تحوّل سكانها إلى مُخبرين. ومع تجربة استدعائه للتحقيق في فرع الأمن يكتشف بلداً لم يكن يعرفه، وعند الخروج يُقرّر دخول عالم بائعات الهوى، بأمل نسيان جسد {سوسن} الذي لم يلمسه، في حين تفشل هي في الزواج بعشيق أفسد حياتها.

تسعى سوسن إلى ترميم وضعها السابق، فترتدي الحجاب وتنخرط في دروس الإيمان والوعظ، مع أنّ الجميع يريدون ماضيها الذي لا يعود.  

المسكوت عنه

يكتب خليفة عن كل ما هو مسكوت عنه في الحياة السورية، يفكك ذاكرة المدينة والناس المريرة كي تتخلص من قبح تلك الحقبة اللعينة. فها هو جان يكتب لابنه في فرنسا عن مدينة حلب وعن نظريته حول العار التاريخي: {سكان مدينة واحدة يتقاسمون هواء مدينة واحدة، خائفين من بعضهم البعض، مسيحيون خائفون من المسلمين، أقليات طائفية خائفة من الأكثرية، وأكثرية خائفة من بطش الأقلية، قوميات وأديان وطوائف خائفون من الرئيس وضباط مخابراته، والرئيس خائف من أعوانه وحراسه، وأعوانه يبحثون عن طرق مبتكرة للوشاية ببعضهم بعضاً، وتقديم ولائهم إلى مرتبة القداسة والألوهة، رغم ذلك يبقى في قصره خائفاً من حرّاسه، لا يجرؤ على السير في الشارع عشرة أمتار دون مئات الحراس، رغم صور يبثها التلفزيون مراراً وتكراراً، لملايين البشر يهتفون له في مسيرات التأييد}.

خليفة من مواليد حلب 1964، درس القانون فيها، وكان  أحد أعضاء المنتدى الأدبي في جامعة حلب حينها، الذي عرف كظاهرة ثقافية في آخر الثمانينيات. كتب خليفة سيناريوهات عدة للتلفزيون أيضاً من بينها: {سيرة آل الجلالي، قوس قزح، هدوء نسبي...}، وفي السينما له {باب المقام} و{حجر أسود}. سبق أن صدر له عملان روائيان {مديح الكراهية} 2006، و{دفاتر القرباط} 2000، ومجموعة قصصية بعنوان {حارس الخديعة} (1993). اكتسب شهرة واسعة، عربياً وعالمياً، وذلك عن روايته {مديح الكراهية} الصادرة عن دار {إميسا}، حيث صدرت بلغات عدة، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية عام 2008، فضلاً عن ترشحها هذا العام لتكون الرواية العربية الوحيدة ضمن القائمة الطويلة لجائزة الإندبندنت العالمية، القائمة التي تضمنت أسماء عالمية كبيرة في عالم الرواية كالتركي أورهان باموق والألباني اسماعيل قادريه.