يقول سياسي علماني عراقي، بأسفٍ، إن سيطرة الجماعات المسلحة على ثلث مساحة العراق بهذا الشكل الدراماتيكي، تنطوي على مخاطر كبيرة، لكن أسوأ ما فيها هو تخريب مسار مهم كان يهدف إلى تصحيح العلاقة مع إيران، ويقوده زعماء شيعة مهمون.
وبالفعل فإن أحزاباً شيعية مثل "المجلس الإسلامي الأعلى" و"التيار الصدري" قادت منذ 2010 اتجاهاً يرفض التبعية للقرارات الإيرانية، وقد تعرضت لعقوبات بدت قاسية أحياناً من طهران، أرادت إعادتها إلى "بيت الطاعة" وكانت ذروة الأمر الصيف الماضي، حين رفض عمار الحكيم ومقتدى الصدر التحالف مع رئيس الحكومة نوري المالكي في تشكيل الحكومات المحلية، مفضلين التنسيق مع أحزاب سنية وكردية، لمحاولة كبح جماح رأس السلطة التنفيذية، الذي أغضب الجميع بتضخم صلاحياته وتجاهله لقواعد اللعبة.وفي يوليو الماضي، بعثت طهران بأفضل مبعوثيها لتقليص حجم الخلاف بين المالكي ومنافسيه الشيعة، لكنها لم تنجح، ما جعل البعض يعتبر ذلك أقسى اختبار لنفوذ إيران لدى شيعة العراق.وكان الجميع ينتظرون مستوى أكثر إثارة لاختبار نفوذ إيران، في مفاوضات تشكيل حكومة 2014، حيث بدا واضحاً أن فرصة كبيرة تلوح لكسر التخندق الطائفي وبناء كتلة نيابية كبيرة تضم إلى جانب الحكيم والصدر، كلاً من أياد علاوي وأسامة النجيفي والأحزاب الكردية، لمحاولة تصحيح أخطاء المالكي وعزله، غير أن اللعبة السياسية في العراق أصبحت منذ خروج الموصل عن سيطرة الحكومة، مصداقاً للمثل "سبق السيف العذل".واليوم توشك أن تتبخر خمسة أعوام من محاولات شيعة عراقيين التمرد على الإملاءات الإيرانية، حيث انعكست كل الموازين بسبب التهديد الأمني الذي مثله تنظيم "داعش"، وهو يهدد بدخول بغداد مع مسلحين سنة غاضبين، لقلب نظام الحكم، وسط انهيار رهيب في المؤسسة العسكرية، ونقص فادح في التسليح، ما أعاد بشكل دراماتيكي رسم أولويات الشيعة سياسياً ودينياً، وجعلهم في حاجة لا غنى عنها للتمسك بتنسيق أكبر وأكبر مع طهران.والعبارة التي تقول إن "داعش"، الذي أصبح اسمه "الدولة الإسلامية"، أعاد شيعة العراق إلى "الحضن الإيراني" أكثر من أي وقت مضى، لا يمكن أن تفهم بعمق دون ملاحظة كل التردد الأميركي في دعم بغداد عسكرياً، ودون إدراك ذلك الشرخ الواضح الذي نما وتفاقم بين الشيعة والأكراد، حيث كان تحالفهما دوماً، صمام أمان لصيغة النظام السياسي، سواء تحدثنا عن حماية النظام أو إصلاحه.وهكذا يتفاقم شعور الشيعة بالعزلة والتهديد، مع مرور الساعات الثقيلة وتطوراتها السياسية والعسكرية، وهو ما سيترك آثاراً عديدة يصعب علاجها، ولعل أولى النتائج تصريح مقتدى الصدر بأنه لا يمانع أن يكون أحد قادة حزب المالكي، رئيساً للحكومة، بعد أن كان الصدريون يرفضون ذلك بشدة، والأمر ناتج عن أن صوت إيران أصبح أعلى، كما بات في يدها أكثر من خط للتسليح والتأثير الميداني، خاصة لحماية الأماكن الشيعية المقدسة، تجبر الشيعة المنافسين للمالكي، على تخفيف لهجتهم بكل الاتجاهات.لكن ذلك لا يلغي أن الأحزاب الشيعية ومرجعية النجف، تحمّلان إيران مسؤولية ما جرى، من زاوية دعمها المبالغ فيه لسياسات المالكي التي أدت إلى تفجر الأوضاع في المدن السنية، فثقة طهران جعلت رئيس الحكومة العراقية لا يصغي إلى نصيحة شركائه، ودفعته إلى توريط الجيش وتجميد التسويات السياسية، وهو ما فتح الأبواب على مصراعيها، أمام ظهور "داعش" كمدافع عن السُّنة في لحظة قمع سياسي منظم، الأمر الذي مثل خيبة كبرى لكل الشيعة الذين كانوا يحلمون بإصلاح جدي وتطبيعٍ مع المحيط الإقليمي، يمنح العراق توازناً في سياسته الخارجية، بالاستناد إلى تصالح داخلي تأخر كثيراً، وسمح للبنادق بأن تسبق جلسة البرلمان الجديد بكل ما عكسته من تيهٍ سياسي هو الأقسى منذ سقوط صدام حسين.
آخر الأخبار
خيبة «الوطنيين» الشيعة: «داعش» يعيد الاعتبار للدور الإيراني في العراق
03-07-2014