ماذا لو غابت العدالة والأخلاق؟
قال تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"- (سورة الروم- الآية ٤١).الشواهد على تفشي ظاهرة الفساد الأخلاقي وما يتبعها من عناوين عامة للفساد الإداري والمالي لم يعد بالإمكان التغاضي أو التغافل عنها باعتبارها سلوكيات فردية، إنما ظاهرة لا يكاد مرفق من مرافق الدولة إلا ينخر فيها، ومع ذلك لا يوجد تحرك جاد لا من الحكومة ولا الهيئات التابعة لها ولا من مجلس الأمة للتصدي لها.
غياب العدالة وتكافؤ الفرص قد يكونان السبب الرئيس وراء وجود هذا الفساد، كون من وصل لا يستحق الوصول منذ البداية، فمن وصل "بالواسطة" لا يمكنه القيام بعمله بالشكل المرضي، ففاقد الشيء لا يعطيه، بل قد يكون صيداً سهلاً لجهالته القانونية والفنية أو لفساد ذمته.لقد تعب المواطن من تكرار مسلسل الفساد وتنوع مصادره وأشكاله، فكل يوم نقرأ من خلال الصحف أو "التويتر" تجاوزاً على المال العام أو إنجازاً لمعاملة في غير وجه حق، فـ"الشؤون" و"الداخلية" تعجان بالمخالفات، وتجار الإقامات يسرحون ويمرحون، و"الصحة" مشغولة بمعاملات العلاج بالخارج، و"التربية" تغص بالدروس الخصوصية والشهادات المضروبة، وهيئة الزراعة مشغولة بتوزيع الجواخير والمزارع، و"البيئة" في المخيمات والفوم، أما بقية الوزارات فهي الذبح الكبير وقربان المناقصات، أما البلدية فلكي تتعرف على حالها فإن عليك أن تتعرف على دور عمال النظافة عند إشارات المرور، وأخيراً الغائب الحاضر المجلس الذي لولا بركات أسماء الشوارع والمناطق لما سمعنا عنه. قصدت أن أترك وزارة الأشغال، فما تنتظره هذه الوزارة أكبر من مقال وما فيها من مصائب يتجاوز "استاد جابر" مئات المرات، فيكفيها تناثر الصلبوخ الذي هشم زجاج السيارات، وهو بالمناسبة سيكشف لنا نوعية خاصة من المقاولين والمهندسين المسؤولين عن استلام وتسليم الموقع. "وللعلم فإن الطبقة الأخيرة التي تكسو الشارع وسبب تناثر الصلبوخ لا يتجاوز سمكها 2 سنتيمتر قبل القشط وبعد الفرش، والتي يفترض ألا تقل سماكتها عن ٥ سنتميترات".الحال لا تسرّ والرشا لبعض الموظفين قيمتها لا تتجاوز تعبئة رصيد هاتف، أما الكبار فلا يترس عيونهم إلا هبرة بحجم "الداو" أو بطول "الناقلات"، والحديث عنهم محرم وممنوع، كيف لا وهم أصحاب النفوذ والقوة.هناك دول نهضت رغم قلة مواردها، وهناك دول تراجعت ودخلت في نفق الديون والفقر والأسباب واحدة، لكنها مقارنة الأضداد، فالصدق قابله الكذب، والعمل قابله الكسل، والأمانة عكسها الخيانة والسرقة، والعلم تحول إلى جهل، وفي كل الأحوال محرك التنمية واحد، قيادة نظيفة ألزمت نفسها وفرضت ذلك على الشعب، والتاريخ يكرر نفسه، فهل من معتبر يضع الكويت على جادة الطريق، ولا أقول يعود بها إلى الماضي، فالماضي تاريخ... والعبرة بالحاضر والمستقبل.ودمتم سالمين.