تخزين النفط الكويتي في الخارج سياسي أم تجاري؟

نشر في 16-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 16-07-2014 | 00:01
• شبهة مخالفة المادتين 21 و152 من الدستور؟
• تصاعد التوترات الدولية يدعم خطط زيادة المخزونات في الخارج
تقيّم الدول المنتجة للنفط الفرص المتاحة بشأن تخزين النفط خارج أراضيها، وتختار ما يتماشى مع دعم عملياتها بصورة تجارية، فيتجه بعضها إلى تعزيز طاقة تخزين الخام في خزانات برية أو ناقلات، لتعزيز المركز التجاري مع الزبائن، وتأكيد الوجود في الأسواق الواعدة، وتأمين النفط في حال نقص المعروض.

«إن الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة،‮ ‬تقوم على حفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة،‮ ‬واقتصادها الوطني‮».‬ (الدستور الكويتي، المادة 21).

«إن كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية او مرفق من المرافق العامة لا‮ ‬يكون إلا بقانون ولزمن محدود وتكفل الاجراءات التمهيدية تيسير اعمال البحث والكشف وتحقيق العلانية والمنافسة»‮.‬ (الدستور الكويتي، المادة 152).

من الواضح ان واضعي الدستور عملوا ‬على إحاطة الثروات الطبيعية بسياج حصين من الحماية الشرعية واعتبروا الثروات الطبيعية ومواردها ملكا للدولة حتى لو وجدت هذه الثروات في‮ ‬باطن الأملاك الخاصة للأفراد‮‬،‮ وهو ما تبين من المواد السابقة.

وما دفعنا الى الحديث حول هذه المواد هو تصريح وزير النفط وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة د. علي العمير الذي اوضح ان لدى مؤسسة البترول الكويتية أفكاراً لتخزين النفط في الخارج. وتناقل بعض المحلليين هذا الامر مشيرين الى انه خطوة غير موفقة بينما رآها بعض الساسة «تصرفا شاذ‮ا ‬غريبا» وتجاوزا على النصوص الدستورية وسابقة خطيرة تنذر بإمكانية استباحة كافة الاحتياطيات النفطية، ونقلها وتخزينها في‮ ‬أرض أخرى. وهنا نطرح أسئلة مستحقة: هل بإمكان الكويت تخزين النفط في الخارج؟ وما الأسباب؟ وهل تم تخزينه في الماضي؟ وأين؟

إن ثمة أسبابا عديدة قد تلجأ اليها الشركات النفطية الوطنية لتخزين جزء صغير من انتاجها خارج دولها، من بينها أسباب استراتيجية وأخرى تجارية تسويقية, ولو رجعنا الى التاريخ سنجد الكويت ممثلة بمؤسسة البترول الكويتية قامت بهذا النشاط في الماضي، حيث تم تخزين كميات بسيطة من النفط الخام الكويتي عام 1995، وخزّنت جزءا من نفطها في جزر البهاما بالبحر الكاريبي لتكون قريبة من اسواق الولايات المتحدة الاميركية، وانتهاز الفرص عند ارتفاع اسعار النفط، بحيث تتم تغطية تكاليف نقل النفط وتكاليف التخزين والتكاليف المالية والادارية مع تحقيق هامش ربحي، لتوفير النفط الخام للعملاء خلال فترة زمنية قصيرة لا تزيد على اسبوع بدلاً من ثلاثة اسابيع، والتفوق على المنافسين بالقرب من المناطق الاستهلاكية. كما ان تصاعد التوترات الدولية يمكن ان يمثل دافعا لدراسة خطط زيادة المخزونات من النفط في الخارج، والتي تعد خططاً وقائية لضمان استمرار إمدادات النفط إذا أغلقت الطريق للتصدير.

التخزين في كوريا

كما قامت الكويت ايضا بتخزّين النفط الخام في كوريا الجنوبية عام 2007، بهدف تأمين امدادات مستمرة للعميل لتفادي الظروف السياسية المتوترة في منطقة الخليج العربي، والتهديدات بإغلاق مضيق هرمز.

هنا يتبين ان كل دولة منتجة للنفط تقيّم كل الفرص في السوق وتختار من الاستراتيجيات ما يتماشى مع دعم عملياتها بصورة تجارية وفق الاستراتيجية العامة لها، فيتجه البعض الى تعزيز طاقة تخزين الخام في خزانات برية أو ناقلات في اطار استراتيجية تعزيز المركز التجاري مع الزبائن في الأسواق، وتأكيد الوجود في الأسواق الواعدة، وتأمين النفط في حال نقص المعروض العالمي وتوسيع الصادرات النفطية إلى تلك الاسواق.

بالاضافة الى انه يمكن استخدام طاقة التخزين لدعم المبيعات لتكون مركزا رئيسا للتوزيع، وهذه وسيلة أخرى للدخول إلى الاسواق التي تتطلب مثل هذه الاستراتيجيات، إذ بالإمكان استغلال ناقلات أصغر في نقل النفط إلى مصافي تكرير أصغر في تلك الاسواق، كما يسهل التخزين تجزئة شحنات كبرى إلى شحنات أقل يمكن أن تلبي بسهولة الطلب بأحجامه المختلفة، وييّسر إيصال النفط إلى مصافي تكرير ساحلية أصغر.

إذاً، فتخزين النفط الخام ليس أمرا جديدا على صناعة النفط وتسويقه، إذ تقوم به شركات نفطية ودول منتجه كثيرة لأسباب عديدة قد تكون استراتيجية أو تجارية مثل السعودية والإمارات، ولدواعٍ سياسية مثل إيران، حيث هناك اتفاقات أخرى بين كوريا الجنوبية وشركات نفط أجنبية منها ستات أويل النرويجية وسوناطراك الحكومية الجزائرية وتوتال الفرنسية، كما تناقلت أنباء أن قطر كانت تبحث تخزين النفط في اندونيسيا، لكن الاهم في كل هذا وضوح الهدف وشروط العقد المبرم التي تعكس حالة السوق.

تخزين الدول المستهلكة

وتخزن الدول الكبرى المستهلكة للنفط الخام كميات من النفط لاسباب استراتيجية وتجارية وفي حالات الطوارئ، مثل الولايات المتحدة الاميركية اكبر مستهلك للنفط، قامت بعد حرب أكتوبر عام 1973 عند حظر الدول العربية تصدير النفط للغرب، وكوّنت مخزونا استراتيجيا للطوارئ لمواجهة تقلبات الاسعار، إذ سعت إلى بناء مخزون نفطي يصل الى 800 مليون برميل في ولايتي لويزيانا وتكساس لتخزين نوعين من النفوط تحت سطح الارض وعلى اعماق كبيرة، ولا يمكن التصرف بأي برميل إلا بأمر مباشر من الرئيس الأميركي.

ان هذا النفط المخزن تم استخدامه في حرب تحرير الكويت وحرب تحرير العراق، لمواجهة ارتفاع اسعار النفط وكذلك في حالة اعصار كاترينا وارتفاع اسعار النفط في عام 2008 عندما وصلت الى ارقام غير مسبوقة تعدت 147 دولاراً للبرميل، كما ان الصين ثاني اكبر مستهلك للنفط تبني مخزونها الاستراتيجي الذي يصل الى 400 مليون برميل، بالاضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تسعيان إلى رفع المخزون الاستراتيجي من النفط، والذي عادة يغطي احتياجات الدولة مدة 75 يوماً.

ولكن السؤال الذي سيتم تداوله: هل تجاوزت مؤسسة البترول الكويتية الدستور الذي حظر اي التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية إلا بقانون ولزمن محدود، ويستوي‮ ‬في‮ ‬ذلك ان‮ ‬يكون المستثمر وطنيا أو اجنبيا؟

back to top