ما قل ودل: الحكم بإعدام 37 من الإخوان... التداعيات والدلالات

نشر في 18-05-2014
آخر تحديث 18-05-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام  مع صحة الوقائع التي أثبتها الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات المنيا بمصر يوم الاثنين الموافق 28 أبريل الماضي بإعدام 37 متهماً، وبعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لـ492 متهماً آخر في أحداث العنف والقتل بمركز مطاي، وهي الوقائع التي تناولناها في مقال الأحد الماضي، فقد فاق الحكم كل التوقعات المقبولة لدى الناس؛ لأنه لم يكن تعبيراً منطقياً عن حدود الاعتدال في توقيع العقوبة، بل بدا سعياً من المحكمة إلى أن يكون بطشها بالمتهمين تنكيلاً وتكفيراً عما أتوه في حق المجتمع من تكدير للأمن والسلم وترويع المجتمع وقتل الأبرياء بلا رحمة، وإرواء لعطش المجتمع في الثأر والانتقام.

ولا يشفع للمحكمة في تجاوز حدود الاعتدال في توقيع العقوبة ما يلي:

1- محاكاة محاكم الثورات وأحكامها:

والتي تتسم بالقسوة، لحماية الثورة وحماية أهدافها، إذ كان للثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 محاكماتها وضحاياها، ولم تتوقف الإعدامات بعد نجاحها بل أكلت الثورة أبناءها، ذلك أن ستالين أعدم 98 شخصاً من بين 139 عضواً ومرشحاً للجنة المركزية، وأعدم المئات بالجملة وبغير محاكمة أو بعد محاكمات صورية، وقد صدر قانون في عام 1933 بأن تحمل الأسرة بأكملها مسؤولية جرائم أمن الدولة التي يرتكبها واحد منهم.

كما أعدم في الثورة الفرنسية سنتي 1793 و1794 أكثر من 1256 شخصاً في ساحة الثورة، ذلك أن مجرد التبليغ عن شخص ما كان كفيلاً بإرساله إلى المقصلة؛ لأنه و"إن لم يأت بأي عمل مناف للحرية، فهو لم يقدم شيئا لأجلها"، ذلك أن ما يميز ثورتي 25 يناير و30 يونيو هو نقاء الشباب الذين قاموا بها وطهارتهم، وأن الثورتين لم تنشآ محاكم استثنائية، بل تركتا محاكمات أعدائهما للقاضي الطبيعي والقوانين العادية.

2- الحفرة التي حفرتها جماعة الإخوان:

إن جماعة الإخوان هي أول من نادى بالعدالة الانتقالية في المظاهرات التي حشدتها في الشوارع وأمام دار القضاء العالي تنديداً بأحكام البراءة التي صدرت في بعض القضايا، وهي التظاهرات التي حملت لافتات البراءة للجميع واصطلاح "العدالة الانتقالية"، أي أن جماعة الإخوان هي التي حفرت الحفرة التي وقع فيها المتهمون في قضيتي مركز مطاي والعدوة، وهي المطالبة بسرعة المحاكمات.

وأشد ما يؤخذ على هذا الحكم ما يلي:

أولا- أنه خارج سياق النسيج الاجتماعي المصري:

ذلك أن حق الإنسان في الحياة هو حق مقدس، وقد كرمه الله، إذ خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وقد أحبت مصر الحياة، واعتقد المصريون في الخلود فخلقوا حضارة تحاكي الزمن، وتعكس ما في النفس المصرية من حنان ورقة؛ ولهذا لم يسبق لمحكمة في مصر، عبر تاريخ القضاء المصري، أن أحالت هذا العدد الضخم 528 متهماً في قضية واحدة إلى فضيلة المفتي في قضية مركز مطاي و683 في قضية مركز العدوة.

وقد أعاد هذا الحكم إلى الأذهان الأحكام التي أصدرها القضاء في مصر 1977 وفي تونس سنة 1984 في انتفاضة واحدة، سميت باسم واحد هو انتفاضة الخبز، فقد جرت حركة جماهيرية وانتفاضة شعبية في مصر في 17 و18 يناير 1977 سميت بانتفاضة الخبز، كما جرت حركة مماثلة في تونس في عام 1984 سميت بثورة الخبز، وقدم المتظاهرون إلى المحاكمة، فقضت محكمة الجنايات في مصر برئاسة المستشار حكيم منير صليب ببراءة جميع المتهمين الـ176 من التهمة التي قدمتهم بها النيابة العامة، وهي محاولة قلب نظام الحكم، وحملت الحكومة المسؤولية بسبب تصريحاتها التي رفعت سقف آمال الجماهير في الرخاء، ثم فاجأتهم بقرارات رفع أسعار السلع الأساسية الذي حطم كل آمالهم.

في حين صدر حكم في تونس بإعدام عشرة رجال من المتظاهرين فيما سمي بثورة الخبز، في المظاهرات التي اندلعت إثر رفع الحكومة أسعار السلع الغذائية، وكان ثلاثة من رجال الشرطة قد لقوا حتفهم في هذه المظاهرات.

ثانيا- استعجال العدالة:

وأستعيد هنا ما قاله جورج بومبدو رئيس جمهورية فرنسا في بداية السبعينيات في استهلال العام القضائي في فرنسا في 21 /9/ 1972 في كلمة مأثورة "نعم العدالة بطيئة، ولكن لمَ هي بطيئة، لأن التشريع لا يواكب المجتمع في سرعة تطوره، وهي بطيئة لأن القضاة ذوو ضمائر، والضمير لا ينفك يؤرقهم في كل قضية، وهي بطيئة أيضاً بسبب براعة المحامين في استغلال كل نص إجرائي، وقد يدعوني السخط من بطء العدالة إلى استعجالها، ولكن ألا يحمل هذا خطراً أشد؟!".

وقد ثبت استعجال محكمة المنيا للعدالة من بيان المحكمة الذي أدلت به عقب النطق بالحكم ومن قراراتها، التي نسوق الدليل عليها فيما يلي:

1- أن المستشار رئيس المحكمة طلب عقب النطق بالحكم من النيابة العامة الطعن في الحكم الذي نطقت المحكمة به؛ لأن المحكمة أخطأت حين طبقت عقوبة واحدة عن الجريمة الأشد بين جرائم لا يوجد بينها ارتباط، بدلا من معاقبة كل متهم عن كل الجرائم التي ارتكبها، كل جريمة بعقوبتها.

2- القرار الذي أصدرته المحكمة في جلسة 24 مارس الماضي بإحالة 528 متهماً إلى فضيلة المفتي، ولم تحكم المحكمة سوى بإعدام 37 متهماً، بالرغم من موافقة فضيلته على إعدام 82 متهماً.

فالحكم يدل دلالة واضحة على أن قرار الإحالة إلى فضيلة المفتي، لم يكن إلا حلاً توفيقيا، للخروج من مأزق اختلاف قضاة المحكمة على توقيع عقوبة الإعدام بالنسبة إلى هذا العدد الضخم (528)، فأرجؤوا حل هذا الخلاف بينهم إلى ما بعد رأي المفتي، كسبا للوقت.

3- لعل الخلاف في الرأي بينهم قد أطل برأسه ثانية في أحداث العنف التي وقعت في مركز العدوة، عندما أصدرت المحكمة قرارها بإحالة 683 متهماً إلى فضيلة المفتي.

وهو خطأ في الإجراءات لأنه لا يجوز إحالة أوراق أي متهم إلى المفتي إلا بعد أن يكون قد استقر في وجدان المحكمة وضميرها وبإجماع آراء أعضائها، أن المتهم يستحق هذه العقوبة، لما يترتب على هذه الإحالة من أذى نفسي يصيب المتهم وعائلته، وترويع الناس.

ثالثا- غضب المحكمة:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان". وإذا كانت الجرائم البشعة التي ارتكبها المتهمون والتي يرتكبها أقرانهم كل يوم، والتخريب والتدمير للمنشآت العامة وأرواح الأبرياء الذين يسقطون كل يوم، من جراء هذه الجرائم قد خلق مشاعر من العداء في نفوس كل المصريين، وأن هذه المشاعر يتداولها الناس والصحافة، كما أن القصاص لدماء الشهداء الذين يسقطون كل يوم، كان مطلبا شعبيا، وأن رجال القضاء هم جزء من نسيج المجتمع الذي يحمل مشاعر الغضب ذاتها إلا أنهم في حصنهم الحصين، وعلى منصة القضاء فإنهم مطالبون بألا ينساقوا وراء مشاعرهم الغاضبة في أحكامهم التي هم فيها مدينون لربهم ولضمائرهم.

يقول المولى عز وجل "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، وقد أكدت المحكمة غضبها وكراهيتها للمتهمين عندما أضافت في بيانها الذي أدلت به عقب النطق بالحكم أنها استعملت "أقصى درجات الرأفة مع متهمين ارتكبوا جرائم نكراء وطبقت الرأفة في غير محلها ومع غير أهلها"، وقرارها الذي أصدرته بإحالة المحامين إلى النقابة لتتولى محاكمتهم تأديبيا لامتناعهم عن الدفاع عن المتهمين، وهو موقف يتخذه المحامون عادة عندما يشعرون بأن المحكمة لا تكفل لهم حقوق الدفاع.

كلمة أخيرة:

أرد فيها على من يقولون بأن القضاء مسيس في مصر، ويستشهدون بهذا الحكم، فقد صدر حكم المحكمة في اليوم الذي بدأت فيه زيارة الوفد المصري لأميركا، فتبخرت كل أحلام هذا الوفد، وفشلت كل الجهود الدبلوماسية التي تم الإعداد لها قبل سفره، فقد أثار الحكم والقرار السابقان ردود فعل واسعة في العالم كله، ووجه المجتمع الدولي انتقادات حادة للحكم، كانت الأصعب على نبيل فهمي وزير خارجية مصر في لقائه بلجنة المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، حيث قرر رئيس اللجنة السيناتور باتريك ليهي أنه لن يوافق على إرسال مساعدات للجيش المصري، دون أدلة مقنعة على التزام الحكومة المصرية بسيادة القانون، وأعرب البيت الأبيض عن انزعاجه الشديد لتلك الأحكام.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون أن الحكم لا يفي بوضوح بالمعايير الأساسية للمحكمة العادلة، وأعربت الخارجية الفرنسية عن قلقها، واستدعت الخارجية الألمانية السفير المصري للاحتجاج على ما قالت إنها أحكام إعدام جماعية.

وهو ما يدل دلالة واضحة على استقلال القضاء، وأن الحكومة المصرية فوجئت بهذه الأحكام مثلما فوجئ بها الناس جميعاً، وأنها لا تتدخل في شؤون العدالة والقضايا، والدليل على ذلك صدور هذا الحكم في هذا التوقيت، الذي يعتبر أسوأ توقيت يصدر فيه حكم بهذه القسوة، وبهذه السرعة.

back to top