في لغة الأوضاع الجيوسياسية والأسواق ... الحرب تعني السلام!

نشر في 03-05-2014
آخر تحديث 03-05-2014 | 00:01
No Image Caption
هل ثمة منطق يقول إن «الحرب هي سلام»؟ بحيث يمكن فقط الحفاظ على السلام من خلال بيئة يعتقد الجانبان فيها أن الطرف الآخر سوف يمضي إلى الحرب؟
 إيكونوميست بعد تذبذب طفيف طرأ على أسواق المال العالمية تمكنت من استعادة زخمها من جديد رغم مخاطر العقوبات الغربية المتجددة على روسيا واحتمالات تحول المناوشات في شرقي أوكرانيا إلى حرب كاملة. يبدو أن الآفاق المبشرة المحيطة بطفرة عمليات الاندماج والاستحواذ تطغى على الأخطار الجيوسياسية.

ومن قبيل الإنصاف، نقول إن أسواق الأسهم كافحت بشكل عام وأبلت بلاءً حسناً في هذه السنة، وربما كانت ستحقق المزيد من التقدم لولا اندلاع الأزمة في أوكرانيا (على الرغم من أن الأنباء الواردة بشأن أرباح الشركات كان يتعين أن تكون كافية لدفع المستثمرين إلى التردد). لكن يبدو أن المستثمرين، منذ حرب الخليج الأولى في 1991 التي لم تتحول إلى شرارة تحرق الشرق الأوسط كما توقع عديد من المحللين، أصبحوا مرتاحين إزاء وضع النزاعات الإقليمية. وتميل الأسواق في العادة الى الهبوط قبيل اندلاع الأعمال العدائية ثم تعود إلى الارتفاع بمجرد إطلاق الرصاصات الأولى، ومن منظور مالي فإن الحرب تفضي إلى سلام.

وفي نهاية المطاف، طبعاً، قد تنطوي الحرب على مزيد من الأهمية الاقتصادية تفوق توقعات السوق، وقد يقلل المستثمرون من قيمة الأضرار المحتملة، وتظهر الكتب الأفضل حول اندلاع الحرب العالمية الأولى مثل كتاب كريستوفر كلارك بعنوان "السائرون وهم نيام" أو كتاب مارغريت ماكميلان بعنوان "الحرب التي أنهت السلام"، أن نجاح أوروبا في تفادي نزاع خلال أول 14 سنة من القرن العشرين (في أزمات مثل حادث أغادير أو ضم النمسا للبوسنة والهرسك) ربما جعل قادة أوروبا أكثر رضا خلال صيف سنة 1914. وقد انجرفوا نحو الحرب وهم في حالة ذهول وشرود ذهن ظناً منهم أن الآخرين سوف يتراجعون.  وتتكون الأسواق أيضاً من مستثمرين يظنون أنهم من محققي القدر الأقصى من الأرباح الذين يتصفون بالعقلانية، ويحسبون مزاياهم إلى ما لا نهاية، وهم، بشكل ما، مثل السير نورمان أنغل الصحافي الذي جادل كتابه بعنوان "الوهم الكبير" في سنة 1910 في أن الحرب كانت غير عقلانية من الوجهة الاقتصادية بسبب الأضرار التي سوف تحدثها. وقد تبين أنه على حق وخطأ في آن معاً في 1914- 1918، فقد كانت الحرب كارثية من الناحية المالية، ولكن القادة مضوا قدماً على أي حال. وفي بعض الأوقات تتفوق قضايا الشرف أو الهوية القومية على الجوانب الاقتصادية، ويمضي السيد بوتين في التلويح بالقوة حتى مع اضطرار البنك المركزي الروسي إلى رفع معدلات الفائدة للمرة الثانية خلال أسابيع وخفض تصنيفه الائتماني، كما أن التضخم ارتفع نتيجة ضعف الروبل الروسي.

هل ثمة منطق آخر يقول إن "الحرب هي سلام"؟ بحيث يمكن فقط الحفاظ على السلام من خلال بيئة يعتقد الجانبان فيها أن الطرف الآخر سوف يمضي إلى الحرب؟ وفي مؤتمر انعقد في الأسبوع الماضي استخدم الخبير الاستراتيجي دايلان غرايس المثل المعروف جداً عن "معضلة السجين"، حيث ظن اثنان من المشتبه فيهما، وقد احتجزا في زنزانتين منفصلتين، أنهما إذا التزما الصمت سوف يطلق سراحهما، لكن لو أن الآخر اعترف وهو يجرِّم المتهم الأول (في مقابل الحصول على حكم لمدة قصيرة)، فإن السجين الصامت سوف يحصل على حكم بالسجن لفترة طويلة. وقد ينتهي الأمر بالاثنين إلى الاعتراف بسبب المحنة ومن ثم يتعرضا إلى حكم بالسجن لفترة قصيرة بدلاً من نيل الحرية.

تجارب لعب الأدوار حيث تتكرر اللعبة اختبرت العديد من الاستراتيجيات، والأسلوب الشائع هو "ضربة بضربة" حيث تعاون زميلك السجين (من خلال التزامه الصمت) يتعين عليك عمل الشيء ذاته. ولكن إذا خدعك فعليك القيام بالعمل ذاته في المناسبة التالية. وعلى أي حال، يمكن لهذه الاستراتيجية، مثل نزاع المافيا، أن تفضي إلى تصعيد طويل بمجرد حدوث الخيانة الأولى، لذلك تسمح بعض الاستراتيجيات بالصفح، على الأقل في المناسبة العرضية. وفي الظروف المناسبة والصحيحة يمكن احتجاز اللاعبين في عملية حميدة من تعاون لا نهاية له، وكما أشار غرايس، فإن الاقتصادات العصرية تعتمد على الثقة والتعاون، وهي لن تعمل بشكل سليم إذا اعتقدنا أن البضائع التي اشتريناها سيئة، أو أن أموالنا كانت عديمة القيمة، وهكذا أجواء الثقة... لكن أجواء الثقة تسمح لمن هم ليسوا أهلاً للثقة بالنجاة بعمليات غش وخداع لفترات طويلة، كما أثبت تلك النظرة برني مادوف، ويمثل الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي مجموعة من الدول المتعاونة (في ضوء تاريخ أوروبا) التي سئمت من الحروب، وعندما تحاول التعامل مع بوتين غير المتعاون قد تجد نفسها عاجزة بصورة أساسية.

يتكون الاتحاد الأوروبي أيضاً من ديمقراطيات يعتقد بصورة عامة أنها أكثر تردداً إزاء الدخول في حرب، ولكن هل تلك دلالة على ضعف أم أنها مؤشر على أن الناخبين قرروا عدم التعرض إلى خديعة ثانية بعد أن شاهدوا قادتهم ينجرفون إلى نزاعات في العراق وأفغانستان كلفت الكثير من الأرواح والأموال وربما زادت فقط من التهديد الإرهابي على الأجل الطويل؟

back to top