في وسط الأوضاع السياسية الملبدة بكل ما هو سيئ وسلبي لم يكن هناك شيء جيد ويبرد القلب في الأيام القليلة الماضية سوى خروج هيئة مكافحة الفساد العتيدة عن صمتها، وصدور أول تحرك لها تجاه قضايا الفساد المتراكمة، وذلك بصدور بيان صحافي عنها بثته وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، كان بمنزلة بث الروح في هذه الهيئة المهمة، التي ولدت بمرسوم ضرورة منذ عام 2012، ولم نر لها فاعلية أو نشاطاً ملحوظاً منذئذ.

Ad

لا أريد أن أكون سلبياً، وأنتقد وأحاسب الماضي، بل علي أن أرى نصف الكأس المملوء كما يقولون، وكذلك أهتدي بمقولة "أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً... إلخ"، المهم هيئة مكافحة الفساد وصلت إلى الساحة! وأعلنت في بيان عبر وكالة الأنباء الرسمية أنها ستباشر إجراءاتها، والتحقيق في ما أثير من قضايا، ما يعني عملياً تعاملها مع ما سمي بـ"بلاغ الكويت" دون غيره من القضايا، وهو تحرك محمود ومطلوب، لكن الذي يثير المخاوف هو انتقاء الهيئة هذه القضية رغم القضايا الكثيرة التي أثيرت وتتعلق بمؤسسات الدولة الدستورية، وحصول بعض النواب على حيازات من أملاك الدولة، وخلافه من قضايا تخص التكسب غير المشروع للقياديين في الدولة.

تحرك الهيئة مطلوب، لكن الخوف أن تضرب مصداقيتها وتجر إلى ساحة الصراع السياسي بسبب توقيت دخولها، والتناقضات أيضاً التي شابت تصريح رئيسها المستشار عبدالرحمن النمش لـ"الجريدة" الثلاثاء الماضي (مبيناً أن الهيئة لن تتلقى أي بلاغات أخرى تتعلق بالفساد أو التحقيق أو التحري أو تلقي إقرارات ذمة، إلا بعد اعتماد اللائحة التنفيذية المعروضة على مجلس الوزراء، والتي تخضع لرأي إدارة الفتوى والتشريع)... وهنا يقع اللبس، إذ إن الهيئة بلا لائحة تنفيذية ولا قدرة على تلقي البلاغات وإقرارات الذمة المالية... فكيف لها أن تتعامل مع قضية كبيرة مثل هذه القضية التي تتناول السلطات العامة في الدولة؟!

ولذلك ورغم سعادتي ببدء هيئة مكافحة الفساد نشاطها الفعلي، فإن لدي وآخرين مخاوف كبيرة بأن تباشر عملها في ظروف تحيطها ملابسات مريبة، وفي أجواء يحيط بها صراع سياسي عنيف ربما تكون مصداقية وحيادية هذه الهيئة ثمناً لهذا الصراع، ولذلك فإن حمايتها من أن تدفع ذلك الثمن الباهظ يكون بسرعة إقرار مجلس الوزراء اللائحة الداخلية للهيئة، وقانون كشف الذمة المالية، وعدم إفراغ مضمون القانون من محتواه، من خلال تلك اللائحة ومراعاة الاتفاقيات والمعايير الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد وكشف ذمة القياديين والقضاة في موادها، كما على الهيئة أن تنتظم في نشر بيانات دورية للرأي العام عن تطورات تحقيقها في "بلاغ الكويت"، حتى يطمئن إلى أن ما أعلنته عمل حقيقي وليس مشاركة في إغلاق ملف ساخن على الساحة، ودون تلك الإجراءات فإنني أخشى أن تكون خسائر هيئة مكافحة الفساد قبل انطلاق أعمالها الشاملة جسيمة لدى الشعب الكويتي.