الموضوع الذي يشغل الصالونات السياسية من أربيل حتى البصرة هذه الأيام، يتعلق برجلين يزور أحدهما بغداد سراً، ويدير فيها الآخر حوارات حساسة في العلن. الأول هو قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، رجل الظل الذي يخشى الجميع الاصطدام به، والثاني هو بريت ماكغورك مساعد وزير الخارجية الأميركي الذي عرف عنه انحيازه الشديد إلى سياسات نوري المالكي رئيس وزراء العراق الذي ينتمي لحزب الدعوة، وفاجأ الجميع أخيراً بانتقادات قوية لبغداد لاسيما في الشأن السوري.

Ad

وبدا الأمر مثيراً جداً، إذ راح الجميع يسألون: كيف تزامنت زيارتا الرجلين لبغداد، وما الخطر الذي جاء بهما على وجه السرعة، وأي أجندات يحمل كل منهما؟

لكن من الواضح أن الراعيين الرئيسين لصفقة الائتلاف الحكومي، أميركا وإيران، يشعران بقلق موحد، من قواعد اللعبة العراقية التي تغيرت كثيراً، منذ التزامهما عام ٢٠١٠ بولاية ثانية للمالكي ترافقها ضمانات وتطمينات لباقي الأطراف، إذ لم تعد هناك ضمانة اليوم ولا بقايا تسوية، وحليفهما العراقي معزول سياسياً، من النجف وأربيل ومعظم سنة العراق، ومغضوب عليه بنحو أثار غضب مراكز القوى العراقية على واشنطن وطهران، الراعيين لائتلاف عجز عن التصحيح والإصلاح، وانجرف في الخلافات كما لم يحصل منذ سقوط صدام حسين.

وإذ شُغل الرجل الأميركي بمحاولة تسوية الخلاف بين الأكراد والمالكي، وانتهى إلى تهدئة مؤقتة قبلها الطرفان فيما يتصل بحقول النفط في كردستان، فإن مهمة سليماني في بتّ مصير المالكي ومحاولة تخفيف الانقسام الشيعي حوله، ظلت غامضة. فالرجل لا يقول أشياء صريحة، بل ينسج قماشته بهدوء فارسي، تاركاً الباب مفتوحاً أمام تأويلات بلا نهاية.

بعض المصادر الشيعية تبدو واثقة بأن سليماني وضع المالكي أمام لحظة حقيقة، وقال له: "أنت مرفوض من كل الأطراف، وقد صرت خارج سباق الحكومة، والتغيير مطلب يصعب علينا مقاومته، ولابد من الإنصات للنجف التي تريد شيعياً معتدلاً غير حزبي، يرأس الحكومة الائتلافية بعد انتخابات أبريل. ويذهب هؤلاء إلى مدى أبعد، قائلين إن سليماني راح يتفاوض مع الحكيم والصدر وبارزاني، بشأن "مصير المالكي" الذي يخشى من ملاحقات قضائية وسياسية إذا خسر منصبه.

أما المصادر الأخرى، فتقول إن انتقاد سليماني للمالكي، وخاصة بشأن تهوره مع الأنبار وأربيل، وعدم تحقيقه اختراقاً أو انتصاراً في الميدان أو وفق الحسابات السياسية، ليس من السهل أن يعني ضوءاً أخضر من طهران بتهيئة بديل له. وهؤلاء يبنون قناعتهم على أساس أن طهران تفضل التعامل مع المالكي الذي صار ضعيفاً جداً، لتضمن أنه سيبقى محتاجاً إلى الدور الإيراني على طول الخط.

ويقولون إن طهران إذا رفعت يدها عن المالكي، فسيأتي بديل شيعي معتدل يحظى بدعم الجميع، وينجح في ترطيب الأجواء داخلياً وإقليمياً، وسيتحمس الآخرون لإنجاحه، تعويضاً عن ٨ أعوام سيئة أمضاها المالكي في السلطة. وهنا يشك بعض الشيعة في أن تتقبل طهران "شيعياً يتقوى بعلاقات داخلية وإقليمية حسنة"، لأنه قد يفتح الباب أمام شيعة العراق للتحرر بنحو كبير، من الوصاية الإيرانية، متسلحين بتزايد عوائد النفط، وعلاقات تتطور مع الدول الصناعية، ورغبة داخلية لا تخفى، في فصل حسابات شيعة العراق، عن خصومات إيران في منطقة الخليج والعالم الغربي.

ويرجح بعض المراقبين أن يكون عام ٢٠١٤ مناسبة لاختبار علاقة جديدة للداخل بالخارج، إذ يفترضون أن محوراً متماسكاً قد تشكل على وقع انحياز واشنطن وطهران إلى المالكي، وهذا المحور يخوض مفاوضات قوية تزخر بـ"العتاب" مع حرس الثورة والخارجية الأميركية في الوقت نفسه، متمسكاً برسالة مفادها أن الوقت ينفد أمام محاولات الإصلاح السياسي، وأن نهج المالكي في إدارة التناقضات، يهدد ما تبقى من أجواء التوافق، وأن "صفقة الداخل المتماسكة" هي التي سترسم خيارات "صفقة الخارج" هذه المرة.