لماذا يجب أن يتولى أوباما القيادة؟

نشر في 17-03-2014
آخر تحديث 17-03-2014 | 00:01
 واشنطن بوست تعود الأزمة في أوكرانيا إلى مجموعتَين من الأخطاء لا دخل لأي منهما بواشنطن، فقد نشأت هذه المشكلة بسبب تأرجح الاتحاد الأوروبي (الخطأ الأهم بالتأكيد) والاعتداء الروسي، ولكن على الرئيس الأميركي باراك أوباما الإعراب عن القوة والمهارة الضروريتين لحل هذه الأزمة.

طوال سنوات، تعامل الاتحاد الأوروبي بتردد مع أوكرانيا، مما سبب عدم الاستقرار في هذا البلد المعارض للجانب الروسي، إذ يعتمد مصدر نفوذ الاتحاد الأوروبي الأكبر على تقديمه العضوية للدولة الأوروبية، فقد ساهم هذا الإغراء في تحويل مجتمعات بأكملها في جنوب أوروبا وشرقها، مولداً الاستقرار، والتنمية الاقتصادية، والديمقراطية. ولهذا السبب، يُعتبر سلاحاً من الضروري استعماله بأسلوب واستراتيجية مدروسة، لكن هذا ما لم يحصل في حالة أوكرانيا.

تشكّل أوكرانيا في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي الدولة المهمة التي تسعى روسيا إلى السيطرة عليها سياسياً، وإذا أرادت أوروبا مساعدة أوكرانيا على التوجه نحو الغرب، فكان عليها التخطيط لاستراتيجية إغراء جريئة، وسخية، وسريعة، لكن الاتحاد الأوروبي عقد، بدلاً من ذلك، مفاوضات مطولة كثيرة التقلبات مع كييف، عارضاً عليها في نهاية المطاف اتفاق شراكة يحفل بمطالب تفرض على أوكرانيا إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ضخمة، قبل أن تتمكن من إحراز تقدّم يذكر في تعاملها مع أوروبا في مجالات التجارة، والمساعدة، أو دخول الأسواق.

لكن من الضروري أن نشير إلى أن خطوات موسكو لم تكن متقنة استراتيجياً أيضاً، فلا شك أن فلاديمير بوتين راح يراقب بغضب في شهر فبراير الماضي الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا وتفلّت أوكرانيا من قبضته؛ لذلك، تحرّك بسرعة عند انتهاء الألعاب الأولمبية، فأرسل قواته إلى القرم، لكنه بذلك اقترف خطأ كبيراً، فباستيلائه على القرم، خسر بوتين أوكرانيا.

منذ عام 1991، أثرت روسيا في أوكرانيا باعتمادها على سياسيين موالين لها تلقوا الرشا من موسكو ليتبعوا توجيهاتها، لكن هذا المسار أُقفل اليوم. يشير ستيفن كوتكن، بروفيسور في جامعة برينستون، أن فيكتور يانوكوفيتش، الذي مثل عام 2010 القوات الموالية لروسية، فاز في القرم بنحو مليون صوت. ولهذا السبب، تمكن من تحقيق الانتصار في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية.

بكلمات أخرى، إذا ما فُصَلت القرم عن أوكرانيا (وهذا ما فعله بوتين)، يصبح فوز مرشح موال لروسيا في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية مستحيلاً، ويجب ألا ننسى أن أوكرانيا ليست مقسومة مناصفةً، فمن دون القرم، يتراجع عدد المنتمين إلى الإثنية الروسية إلى 15% فقط.

نتيجة لذلك، يرتبط الأمل الوحيد في أن يبدّل بوتين مساره في القرم باحتمال أن يدرك أن بقاءه فيها بأغلبية سكانها الروس كجزء من أوكرانيا يشكّل الطريقة الوحيدة كي يحافظ على نفوذه في هذا البلد.

بالإضافة إلى ذلك، أجج بوتين المشاعر القومية المناهضة لروسيا حول حدوده، إذ يبلغ عدد المنتمين إلى الإثنية الروسية المقيمين خارج روسيا 25 مليوناً، ولا بد من أن الدول التي تضم أقليات روسية كبيرة، مثل كازاخستان، تتساءل راهناًَ عما إذا كان بوتين مستعداً لتأجيج الحركات الانفصالية في أراضيها أيضاً ليستخدم بعد ذلك الجيش الروسي "ليحميهم". في مطلق الأحوال اضطرت روسيا إلى إغراء الدول بالغاز البخس الثمن لتنضم إلى "الاتحاد الأوراسي"، وأعتقد أن كلفة ذلك قد ارتفعت أخيراً بالنسبة إلى موسكو.

بعيداً عن الدول المجاورة لروسيا، باتت علاقات هذه الأخيرة مع دول مثل بولندا وهنغاريا متوترة وعدائية، بعد أن كانت ودية سابقاً، أما حلف شمال الأطلسي، الذي كان يبحث عن دور في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، فقد حصل على طوق نجاة، ولا شك أن موسكو ستواجه بعض العقوبات من واشنطن والاتحاد الأوروبي. فضلاً عن ذلك، ترفض الصين، في انفصال نادر بين المسارين الروسي والصيني في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، دعم خطوات موسكو في القرم. كانت نيكاراغوا، وفنزويلا، وجزيرتان في جنوب المحيط الهادئ الدول الوحيدة التي اعترفت بضم موسكو أبخازيا وأوسيتيا، وقد تكون هذه الوحيدة أيضاً التي تعترف بضمها القرم.

لطالما عبّرتُ عن ضرورة توخي الحذر في الدعوات المطالبة بالتدخل الأميركي في كل صراع حول العالم، لكن الوضع مختلف هنا، وتُعتبر الأزمة في أوكرانيا المشكلة الجيو-سياسية الأكثر أهمية منذ الحرب الباردة، فبخلاف الكثير من الحروب الإثنية والأهلية التي نشبت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تشمل هذه قوة عالمية عظمى (روسيا)؛ لذلك سيكون لها عواقب واسعة وشاملة. فضلاً عن ذلك، يشمل هذا الصراع مبدأ عالمياً مهماً: هل من الممكن تغيير الحدود الوطنية بالقوة؟ إذا صارت هذه المناورة مقبولة، فماذا سيحل بآسيا، حيث تخضع حدود كثيرة لنزاعات مستمرة، وحيث نرى عدداً من الدول العظمى التي ترغب في إعادة رسمها؟

على أوباما حض العالم على التحرك، ودفع الأوروبيين إلى العمل، والتفاوض مع الروس، ففي هذه الأزمة تُعتبر الولايات المتحدة بالتأكيد أمة لا غنى عنها.

Fareed Zakaria

back to top