اختتمت رابطة الأدباء الكويتيين موسمها الثقافي بمحاضرة أثرية تحدث فيها الكاتب محمد السعيد.

Ad

شدد الكاتب محمد السعيد على أن النص الأسطوري لا يكمن فك رموزه إلا من خلال متخصص مطلع على الأساطير، ويعي جيداً البعد الديني والمفاهيم الثقافية لمحتوى النص، معتبراً أن بعض الأفكار التي يروج لها علماء الآثار الأجانب ينقصها الدقة ولا تمت للواقع بصلة.

جاء ذلك ضمن محاضرة أثرية بعنوان «الأختام الفيلكاوية... والكتابة المسمارية» استضافتها رابطة الأدباء الكويتيين في مقرها بالعديلية، وتحدث فيها الكاتب محمد السعيد عن علاقة الكتابة بالرسم وعرض مجموعة أختام كبيرة عبر جهاز البروجيكتور، وأدارها الشاعر إبراهيم الخالدي بحضور عدد من الأدباء وبعض المهتمين بالشأن الأثري والفني.

بداية، استعرض السعيد جملة وردت ضمن كتاب التوراة تمتدح بابل وتصفها بأنها كأس خمر بكف الإله لها مفعول السحر على الأرض، محذراً من تبدل محتوى الكأس إلى الدم أو القيء، بسبب التخلي عن المرجعية الثقافية بكل ما تحمله من أفكار أو قيم أو أساطير ورثتها الأجيال المتعاقبة خلال العصور المنصرمة، لأن هذا التجاهل للإرث الثقافي يسعى إلى تدمير الإنسانية.

واستطرد السعيد متحدثاً عن قدرة البعض في السيطرة على الآخرين من خلال غرس أفكار لا تمت للحقيقة بصلة، مستشهداً بجرائم اليهود في بابل صاحبة أول شريعة في التاريخ، مبيناً أن هذا التعسف والاستبداد لم يقف عند حدود البابليين، بل امتد إلى أقوام آخرين، فسلب اليهود تسمية الساميين، مدعين أنهم أحق بها من الآخرين، ووصفوا أصحاب التسمية الأصليين بالكنعانيين.

وفي ما يتعلق ببداية الكتابة تاريخياً، قال السعيد إن «الكتابة بدأت كتصوير لأشياء أو الرسم، كما أنها كانت لها وظيفة تجارية استخدمها القدماء لتخليص معاملاتهم اليومية من خلال تبادل السلع»، منوهاً إلى ضرورة التدقيق ببعض المعلومات الأثرية التي قدمها الأثريون الأجانب، رافضاً ما روّج له الباحثون الدنماركيون أن هذه الأختام علامات تجارية، «لكن هذا الكلام ينقصه الدقة، لأن الكتابة بدأت تصويرية فيجب عدم التسليم بهذه النتائج كأنها نص شرعي لا يمكن المساس فيه».

ويأسف السعيد لمستوى تفكير بعض القيادات التي تترأس مناصب أثرية مهمة في دول الخليج، لأنها لا تجيد التعامل مع الموروثات الثقافية لبيئتها، أولاً لأنها لا تفقه بهذا التراث أي شيء، وثانياً تتبنى آراء آخرين ليسوا من أبناء المنطقة.

بعدئذ، عُرضت عبر جهاز البروجيكتور مجموعة أختام لأشكال ورموز متنوعة قدم لها السعيد قراءة متأنية ومستفيضة شرح فيها مدلولات الختم، وفقاً لمعطيات الموروث الثقافي بكل ما يحمل من قيم وأفكار وأساطير، لافتاً إلى الدقة في صناعة الأختام، إذ إن حجمها لا يتجاوز القطعة المدنية من العملة الكويتية الـ50 فلساً، لكنها تختزل العديد من الرموز والحكايات.

ثم تحدث السعيد عن بعض العصور القديمة ومنها الميزوليت الذي تزعمت فيه المرأة العالم، وعصر النيوليت الذي اكتشفت فيه المرأة الزراعة، كما تحدث عن اكتشاف الرجل للعجلة التي مكنته من إحداث نقلية نوعية، إذ بدا يتحكم في الإنتاج ثم تنظيمه أكثر دقة من المرأة.

وقرأ السعيد نصاً، قائلاً نقتطف منه التالي: «إن التبدل الذي أحدثته الزراعة في نظرة الإنسان والطبيعة جعلته يتأمل في كل ما يتعلق بها من ظواهر»، مشيراً إلى أن الحضارة البابلية كانت ترى أن الإنسان يستطيع تغيير القدر من خلال السحر بعكس الحضارة اليونانية التي تعاقب كل من يحاول تغيير ذلك.

وفي حديث عن المناهج النقدية الحديثة، أوضح السعيد أنها تعتمد على استحضار الدلالة لتشريح النص الأدبي أو العمل التشكيلي، ثم انتقل للحديث عن مكونات النص السحري من خلال استحضار النص وحضور القلب، مؤكداً أن مكونات النص السحري هي الرقم والصور والكلمة، فالرقم مرتبط بكتاب القدر، والكلمة هي الختم الذي يهدف إلى إحضار الدلالة.

ودعا السعيد إلى التأمل في المكتشفات الأثرية للوصول إلى نتائج إيجابية بعيداً عن تأثير الآخرين، لأن ثمة مهام كثيرة مرتبطة بعمل البحث الأثري والتنقيب، فهناك حفار، وهناك باحث وعالم، والحفّار لا يمتلك الثقافة والمعرفة لتحديد مكتشفاته، لذلك ربما أن مهمته تتوقف بعد استخراج هذه القطع، وترك الأمر للآخرين للبحث والتدقيق والربط العلمي والثقافي.

وعن البعد الفلسفي لهذه الرؤى، دعّم السعيد حديثه ببعض الأفكار للفيلسوف هيغل، مشدداً على أن الختم يتضمن الكثير من الأمور مجتمعة، منها التجارب التجارية، والمفاهيم الدينية والمعرفية، لذلك لا يمكن قراءة الأختام إلا من خلال إنسان يستوعب كل هذه الأمور لفك رموز النص الإسطوري.

مقتطفات

• ما يهمنا في رابطة الأدباء أن كلمة «سار» باللغة السومرية القديمة تعني الكتب، وتلفظ شطر، ثم تطورت هذه المفردة إلى سطر، وعقب ذلك أسطورة.

• كان السومريون يطلقون كلمة «إيكو» على الخندق، وكانت جزيرة فيلكا تسمى بذلك، وحينما جاء اليونانيون إلى الجزيرة أطلقوا عليها «ايكاروس» لتتواءم مع لغتهم.

• وفي قراءته لأحد الأختام أوضح السعيد أن الغزالين يرمزان إلى «مارتو»، وهو إله الطقس، و«مارتورم» وهي إلهة الأرض، أما الثور فيرمز إلى أي إله.

• ربما يستغرب البعض أن فيثاغورس جاء إلى العراق للاستفادة من تطوره في الأرقام والأمور الحسابية، لذلك يعتبر العلماء أن نظرية فيثاغورس نابعة من بلاد الرافدين.

• حديثنا اليوم يأتي بعيداً عن الوثنية بل هو بالدرجة الأولى إنساني ينعش الذاكرة.