لو كان الأمر بيدي لأعدت نشر مقال الأسبوع الماضي، فما حدث هذا الأسبوع يؤكد ما سبق أن قلته وقاله الجميع مراراً إن سلطة الانقلاب تصر على خداع الشعب وتضليله من خلال الإيحاء والادعاء أن أي أزمة يواجهها إنما هي مسألة حياة أو موت ومن الضروري الحشد للخلاص منها، وبعدها ستتبدل الأمور ويتحسن الوضع ولكن الحقيقة أن الوضع دائماً يظل كما هو إن لم يزدد سوءاً.
حدث هذا وقت "اعتصام رابعة" وانطلق الإعلام الانقلابي ليؤكد أن انهيار الأمن وضعف الاقتصاد والفشل السياسي وكل ما يعانيه الشعب هو نتيجة الاعتصام، وبمجرد فض الاعتصام سيتغير كل شيء وتم فض الاعتصام بكلفة باهظة من أرواح المصريين ولم يتغير شيء.وجاء الدستور وانطلقت ذات الأبواق "بس قول نعم للدستور وكل حاجة هتبقى تمام" وجاءت "نعم" موقعة بدماء المصريين الذين سقطوا رافضين الدستور فماذا تغير؟ ازداد الانقسام وزاد الوضع سوءاً... ثم كانت الحفلة الكبرى مع ذكرى "ثورة يناير" التي يدعي وصلها كل من له ومن ليس له علاقة على الإطلاق بها (كل يدعي وصلا بليلى... وليلى لا تقر لهم بذاكا).الكل يقول إنه صاحب الثورة والآخرون هم من سرقها بما في ذلك انقلاب 3 يوليو الذي يصر قادته (يا للغرابة والفجور) أنه استكمال لها، فهل رأيتم أعجب من هذا؟ أو أكذب من هذا؟... وسقط العشرات من الشهداء في ذكرى الثورة برصاص من يدعي حماية الثورة وكان المشهد لا يصدق... مصريون يقتلون ويتساقطون ومصريون يحتفلون ويتراقصون على أشلاء الضحايا... مصري يقتل أخاه المصري وثالث يبكي القتيل وآخر يصفق للقاتل... أي عبثية نعيشها وأي انقسام ودمار ألحقه ذلك الانقلاب بمصرنا الغالية؟ ويبقى السؤال وماذا بعد؟***هل هذا اختلاف سياسي؟ هل ما نراه الآن تباين في الأفكار؟ لا يمكن أن يصدق أحد أن ما نعيشه في مصر الآن هو اختلاف أو حراك سياسي. إما أن تحتفل بترشيح السيسي أو تُقتل.. إما أن تؤيد أو تُقيد..إما أن تصفق أو تصعق.. لم يحدث هذا في أي مكان وزمان (ولا أيام النازية والعنصرية)!هل يمكن أن يصل البطش والظلم والانحطاط الأخلاقي والفكري من سلطة الانقلاب إلى هذه الدرجة، إما أن تكون كما نريد أو تختفي من الوجود... وما معنى الإصرار على أن كل من يرفض السيسي إرهابي، وكل من يعارض الانقلاب إرهابي؟!إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤيده كل البشر، ودعوة الإسلام ذاتها لم يؤمن بها كثيرون، أيكون السيسي أجدر بالإجماع من الرسول؟ أم يكون الانقلاب أولى بالاتباع من الإسلام؟ ما هذا الجهل والغباء؟ "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"- (يونس- آية 99)، هذا حديث الرحمن حول دعوة الإيمان والإصلاح فما بالنا إذا كانت الدعوة دعوة ضلال وظلم.***استمرار المسرحية الهزلية "محاكمة محمد مرسي" والأخرى الأكثر هزلية "ترشيح السيسي" يؤكد أن قادة الانقلاب، وبعيداً عن الاختلاف السياسي والصواب والخطأ، قد فقدوا العقل والمنطق ويدور في البال سؤالان الأول: قد يمنع الصندوق الزجاجي أصوات الحنجرة، لكن هل يمنع صوت الحق والضمير؟ والثاني: إذا كان من حق الرئيس المؤقت والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تزكية السيسي أمام الشعب فهل هم قادرون على تبرئته أمام الله سبحانه وتعالى؟***حكمة الأسبوع: "كلب ينبح على شبح وألف كلب ينبح لنباحه". وللحديث بقية إن كان للحرية متسع.
مقالات
وماذا بعد...؟ (2)
31-01-2014