ما أوجه الاختلاف بين ديوانك الجديد {أغمض عينيك لترى} وسابقه {خطيئتي}؟

Ad

بينهما مساحة لا بأس بها من الاختلاف لجهة المواضيع والصور الشعرية، وهذا طبيعي من وجهة نظري، فكلّما أبحرنا في اللغة وتعمّقنا بالحياة وغصنا في أسرارها نزداد نضوجاً ووعياً، وهذا النضوج يتجلّى بشكل تلقائي في السياق الفكري وبالأسلوب الجمالي الذي يتطوّر مع تطوّر الذات في القصيدة.

هل يعني ذلك أن ديوانك الثاني أقرب إليكِ؟

كلاهما يحملان شيئاً من روحي ولغتي، ويتمتّعان بنكهة خاصة تميّز أحدهما عن الآخر، ومهما حاولت لن أنجح في أن أكون موضوعيّة. لذا أترك الأمر إلى ذائقة القارئ وحكم النقاد.

ماذا عن الأجناس الأدبية الأخرى؟

أجد نفسي في القصيدة على أنواعها أكثر من أي نوع أدبي آخر، لكن لا يمنع ذلك من كتابة القصة القصيرة، فأحيانا أجد نفسي مشدودة في موضوع ما إليها، لا سيما القضايا الإنسانية والاجتماعية.

كيف تقيمين حركة النقد الأدبي في لبنان؟

لا يمكن فصل حالة النقد في لبنان عن حالة النقد الأدبي العربي عموماً، وبعيداً عن الفوضى التي تعمّ الأوساط الأدبية والنقدية، لكل عمل إبداعي خصوصيّته كما للنقد أصول ومعايير وقوانين ترتبط حكماً بطبيعة النص. والنقد يرتبط أوّلا بقيمة النص الأدبي ثمّ بقدرة الناقد على توضيح خصوصيّة هذا النص وتجلّياته الإبداعية وصياغتها بأسلوبه الإبداعي الخاص، فإذا كان النص حيّا وأدوات الناقد بدائية لا يمكنه أن يقدّم جديداً أو يضيف إليه، وإن كان النص مشوّهاً فلا يمكن للناقد، مهما برع في استعمال أدواته، أن يبثّ الحياة فيه. من هنا يمكننا القول إن النص الإبداعي هو الأساس والنقد هو {إبداع مؤسس على إبداع}.

كان الشعر حاضراً في ميادين الثورات العربية الأخيرة، فهل استعاد الشعر مكانته وهل ما زال قارئ الشعر موجوداً، برأيك؟

الشعر، منذ أقدم العصور، هو الصوت الذي يعبّر عن الشعوب ويدافع عن الأوطان وينشر الحبّ ويستنهض الهمم، وحضوره في الثورات العربيّة خير دليل على ذلك، وهو وإن خفّ تأثيره بفعل التطوّر الإعلامي الذي يأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام الناس، إنما لا بدّ من أن يؤرّخ لهذه الحقبة المهمة من تاريخ العرب، فالأدب والفن والشعر عناوين لأي حضارة، ولو لم يكن ثمة قارئ للشعر لما استمر هذا الفن الأدبي يتألق إلى اليوم، مع سعيد عقل وأحمد شوقي ومحمود درويش وبدر شاكر السيّاب وأدونيس ونزار قبّاني وغيرهم من عمالقة هذا العصر، ولما وصلت إلينا أشعار ابن الرومي والمتنبي والفرزدق وأبو العلاء المعري وأبو النوّاس وأئمّة الشعر العربي القديم.  

يتهم البعض قصيدة النثر بأنها مجرد خواطر شخصية ولا ترقى إلى مستوى القصيدة العمودية فما تعليقك؟

قصيدة النثر أحد أنواع الشعر الحديث الذي يعتمد على الصورة الشعرية  والموسيقى الداخليّة، وهي تحلّق خارج إطار القافية والوزن ما يجعل الكتابة فيها غاية في الدقّة برأيي، إذ إن الشعر العمودي يعتمد، بالإضافة إلى الصور الشعرية، على الجرس الموسيقي للقافية وعلى الوزن العروضي، فتكون القصيدة متماسكة تنساب بسلاسة إلى أذن القارئ، وبالتالي تكون أكثر سهولة في الفهم والحفظ، بينما القصيدة النثريّة عليها أن تشدّ ذهن القارئ بالصورة الشعريّة والفكرة المتماسكة وجذالة اللفظ والمعنى والجرس الداخلي، وإلا نفر القارئ منها وفقدت مقوّمات العمل الإبداعي. والقصيدة ومضة إبداعيّة يسمو بها الخيال وترتقي بها اللغة بأنماط إبداعية عدة، لا يمكن حصرها في نمط شكلي واحد، لذلك لا يجوز التقليل من شأن أي نوع من أنواع الشعر.

يردد البعض أننا نعيش عصر الرواية لأنها طغت على الألوان الأدبية الأخرى فما رأيك؟

لا شكّ في أنّ الرواية أحد الفنون الأدبيّة العريقة والمهمّة وهي تشقّ طريقها بثبات وتتخذ مكانتها المتقدّمة بين الألوان الأدبيّة الأخرى في عصرنا الحالي، وهي إحدى أهمّ الوسائل التي يمكن، من خلال شخصيّاتها الخيالية، أن تقترب من الواقع وتعبّر عن هموم المجتمع ومشاكله، وأن تدخل في صلب الصراع الداخلي للإنسان  وتحلل خبايا النفس البشرية، من خلال صراع الشخصيات في المعالجة السرديّة، وربّما هذا يفسّر الاهتمام بهذا الفن الأدبي الراقي.  

أين الوطن في كتابتك؟

الوطن هو الباعث الأوّل للجمال في كتابتي لأنّه المكان الذي شهد حزني وفرحي وولادتي وسيشهد موتي. لا يمكن لأيّ شاعر أن يكتب بعيداً عن بيئته التي كوّنت شخصيّته أو أن يفصل نفسه عن وطنه، لأن الوطن بالنسبة إلي هو ذات الإنسان.

هل لديك طقوس خاصة في الكتابة؟

أفضل وقت للكتابة هو عندما أشعر بأن شيئاً ما يهدر في داخلي يشبه القلق أو الفوضى العارمة، وكأنه بركان ثائر لا يهدأ حتى أنصرف إلى عزلتي وأبدأ بإفراغ ما في داخلي من هواجس وانفعالات وأفكار ومشاهد، وذلك قد يكون في قصيدة لا أتحكّم بموضوعها، فهي تعلن عن نفسها وتفرض إيقاعها شكلا ومضموناً.

يرى البعض أن النقاد يجاملون كتابات المرأة فقط لكونها امرأة، ولا يقيّمون منجزها الأدبي بموضوعية؟

هذه النظرة السطحيّة مجحفة بحق المرأة الشاعرة أو الكاتبة، فنحن للأسف في مجتمع ذكوري يُبرز المرأة وكأنّها عنصر ثانوي في الحياة الأدبيّة والثقافية، مع أن التاريخ يحفظ لنا أسماء شاعرات برزن من خلال نتاجهن الشعري في مختلف الحقبات التاريخيّة القديمة والحديثة كالخنساء ورابعة العدويّة... وهنا يمكن أن أذكر على سبيل المثال الشاعرة العراقيّة نازك الملائكة التي تركت بصمتها في الشعر العربي الحديث، ومي زيادة التي تطرّقت إلى أنواع أدبيّة عدة في نتاجها الفكري، وكان لها حضور أدبي لافت في القاهرة حيث كانت تجمع في مجلسها الأدبي كبار الأدباء والشعراء.

ما رأيك بالمبادرات التي تقام لدعم الشعر في العالم العربي؟

مثل هذه المبادرات تنعش الحياة الثقافيّة، وتحيي اللغة، وتشكّل صلة وصل مهمّة بين مختلف الثقافات، وتعيد إلى الشعر بعضاً من بريقه، لذلك من المهم ألا تبقى على المستوى الفردي أو على مستوى الجمعيّات الثقافية، بل يجب أن تُدعم  وتُحتضن من الوزارات المختصّة في الدول العربيّة، للنهوض بالحياة الأدبية والفكرية، وبالتالي بالمجتمع.

بمن تأثرت في كتاباتك الشعرية عربياً وعالمياً؟

لا يوجد اسم معيّن أو نمط معيّن، فكل عمل إبداعي يترك في نفسي أثراً يحثّني على الخوض في الكتابة، وقد تكون مقطوعة موسيقية أو رواية لهيرمان هيسة أو قصيدة لبابلو نيرودا أو لمحمود درويش أو نزار قبّاني أو قطعة من تجلّيات جبران خليل جبران...

برأيك ما أهم المشكلات التي تواجه الأديب العربي؟

الأديب العربي في مواجهة مع عالم مفتوح على الثقافات والحضارات كافة، وهو يحتاج أن يثبت هويّته الأدبيّة من خلال محيطه وواقعه، وكي يكون صادقاً في معالجته، يبحث عن مساحة حرّية تكفل له الخوض في عمق المواضيع الاجتماعيّة والسياسية، وكسر الحواجز المفروضة وإبداء رأيه، مهما كان مخالفاً للرأي القائم، وهذا تحدّ آخر يواجه الأديب العربي، بالإضافة إلى عوائق ومشاكل متعلّقة بالنشر والتوزيع.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

بعد إصداري الثاني {أغمض عينيك لترى} الذي انطلق في {معرض بيروت العربي  الدولي للكتاب} في دورته الـ 57 (6-19 ديسمبر) أحضّر لإصدار شعري باللهجة المحكيّة اللبنانية، ما زال قيد الدرس.