استقبل الجسم الأكاديمي حدث اعتقال النقيب عام 1988 باستنكار شديد، معتبرين أنه إساءة مباشرة لهم وللجهة المعنية بأمور الأساتذة، وهي جمعية أعضاء هيئة التدريس التي لم تطمس رأسها تحت الرمال كما تفعل بعض مؤسسات المجتمع المدني هذه الأيام، وقررت الدخول في المواجهة، وهي بمقاييس تلك المرحلة تعتبر «خروجا» على النظام.

Ad

المواقف العظيمة تبقى خالدة في الذاكرة، وقد ينسى أصحابها علو صنيعهم مع الزمن، ولكن يبقى هناك من لا ينسى ويحرص على التذكير به، فما سأنقله لكم اليوم نقطة بيضاء في سواد أيام الحل الثاني غير الدستوري لمجلس الأمة، ويومها الحكومة هي الآمر الناهي والقادرة على فعل ما تريد دون حسيب أو رقيب.

في يناير من عام 1988م بعد عودته من عمله في كلية الآداب تم اعتقال الدكتور خلدون النقيب من أمام منزله، بسبب كتاب قام بتأليفه بعنوان "المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (من منظور مختلف)" صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1987م، وعرض على أرفف معرض الكتاب الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت!!

وقد استقبل الجسم الأكاديمي هذا الحدث باستنكار شديد، معتبرين أنه إساءة مباشرة لهم وللجهة المعنية بأمور الأساتذة، وهي جمعية أعضاء هيئة التدريس التي لم تطمس رأسها تحت الرمال كما تفعل بعض مؤسسات المجتمع المدني هذه الأيام، وقررت الدخول في المواجهة، وهي بمقاييس تلك المرحلة تعتبر "خروجا" على النظام.

سعت جمعية أعضاء هيئة التدريس أولاً إلى الالتقاء بسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الشيخ سعد العبدالله؛ لأنها على ما يبدو علمت أن قرار الاعتقال والإيقاف عن التدريس جاء من فوق، وكانت الردود بخصوص المقابلة غير محددة بالرفض أو الموافقة؛ مما زاد من غليان الأساتذة الأمر الذي دفع جمعية الأساتذة لعقد مؤتمر صحافي (في زمن الرقيب والرقابة) لكشف ملابسات ما حدث، وبذل أستاذ الفلسفة د. أحمد الربعي جهداً مميزاً في حشد مراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية؛ ليتم عقد المؤتمر الصحافي في مكتب نائب رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس د. نورية الرومي، لتوصيل عدة أمور أهمها أن ما حصل مع النقيب يمثل انتهاكا لاستقلالية الجامعة وحرية الأستاذ الجامعي والبحث العلمي فيها.

الخطوات التدريجية انتقلت إلى مرحلة عقد جمعية عمومية استثنائية تضع الأساتذة جميعهم أمام مسؤولياتهم للوقوف مع زميلهم ورسم مسار تحركات الكيان الذي يمثلهم، وإعداد ملف كامل لقضيتي "الاعتقال" و"التوقيف" لتقديمه إلى القضاء الكويتي، وبعد هذه الأحداث المتسارعة قام مكتب سمو ولي العهد بالاتصال بالدكتورة نورية الرومي لتحديد موعد مقابلة الشيخ سعد، وتم رفض ذلك الطلب لأن الأمر خرج من مجلس الهيئة الإدارية وأصبح بيد الجمعية العمومية.

النقاشات داخل أوساط الأساتذة تزايدت وتيرتها حول جدوى مقابلة سمو ولي العهد بعد كل ما حصل، وتدخل الأستاذ في قسم الاقتصاد الشيخ محمد صباح السالم مؤيداً لفكرة الذهاب إلى الشيخ سعد، وانتهي الرأي لمقابلة سموه مع الإبقاء على موعد عقد الجمعية العمومية لجمعية الأساتذة التي انعقدت بالفعل.

في ذلك الاجتماع تبين لوفد جمعية أعضاء هيئة التدريس أن صورة كتاب الدكتور خلدون النقيب نقلت مشوهة بالكامل للشيخ سعد الذي اعتقد أن الكتاب يشوه سمعة الكويت ودول مجلس التعاون، وبعد التوضيح والتبيان بطريقة علمية بأن الكتاب عبارة عن بحث علمي اعتمد على مصادر علمية من بريطانيا وكتاب أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ضمن سلسلة "عالم المعرفة" اتضح للشيخ صورة مغايرة للصورة التي نقلتها له "عصافير السلطة" فأوعز فوراً بالإفراج عن الدكتور خلدون النقيب.

ونكتفي بذكر ما سبق من تفاصيل لنسجل الدور المحوري الذي لعبه الإنسان العالم الذي رحل عن دنيانا في قضية د. خلدون النقيب، وهو رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس خالد عبدالكريم جمعة الميعان الذي خاض ورفاقه في قضية حساسة في زمن لا قيمة فيه لأي شيء ذي قيمة ما لم يكن داخل "الحظيرة".

لم يفكروا بمنصب ولم يحسبوها بميزان الذهب، دخلوا معركتهم بالتعقل والدراسة وحققوا مرادهم بأبسط أساليب السياسة.

الفقرة الأخيرة:

 رحم الله كل من انتقل إلى الدار الآخرة، وورد اسمه في هذا المقال، وأطال عمر من ذكروا وما زالوا يعيشون بيننا.