اقتصاديون لـ الجريدة•: التداولات الوهمية مجرّمة قانوناً... فأين العدالة من المستفيدين منها؟

نشر في 16-02-2014 | 00:02
آخر تحديث 16-02-2014 | 00:02
أكدوا أن المسؤولية تقع على عاتق «هيئة السوق» وإدارة البورصة في تحديد المتسببين
«نود أن نحيط سيادتكم علماً بأنه قد لوحظ لدينا وجود تداولات غير اعتيادية على أسهم الشركة، ويرجى التكرم بالعلم بأنه لم تكن هناك مؤخراً أي تطورات أو معلومات من شأنها التأثير في سعر السهم أو نشاط التداول».

كثيراً ما رأينا هذا الإفصاح في إعلانات السوق اليومية، من قبل معظم الشركات المدرجة، تنفي من خلاله وجود أخبار أو تحركات فعلية تتسبب بالتداولات الكثيفة التي تجري على سهمها، فلربما كانت موجة شراء قوية من قبل مجموعة من المضاربين، اعتمدوا على عملية وهمية لرفع سعر السهم والاستفادة من تدافع الناس بعد ذلك لتحقيق الارباح، دون رقابة فعلية عليهم من قبل الجهات الرقابية متمثلةً بإدارة سوق الكويت للأوراق المالية وهيئة أسواق المال، أو كانت تعود - التداولات الكثيفة - لصفقة ما أو تخارج ما للشركة نفسها، ويتم الاستفادة من هذه المعلومات الداخلية عن طريق متداولين من خارج إدارة الشركة، خلال فترة زمنية معينة إلى يتم تحقيق الأرباح المستهدفة، ومن ثم الإعلان عن هذه الصفقة بعد مدة زمنية بعيدة - نسبياً - تضمن عدم المساءلة القانونية - النائمة أصلاً - من قبل الجهات الرقابية.

وقال اقتصاديون استطلعت «الجريدة» آراءهم أن سوق الكويت للأوراق المالية يحتاج الى تطبيق التشريعات الرقابية الحالية الموجودة في قانون هيئة أسواق المال لضمان سير التداولات اليومية على أكمل وجه ممكن، ولا يجب أن تترك الأرضية خصبة للمضاربين المتلاعبين، فليس بالضرورة من يتعامل بالأسهم ويتلاعب بالأسعار أن يكون من إدارة الشركة نفسها أو مجلس إدارتها أو قريبا منها.

بداية، أكد الخبير الاقتصادي جاسم السعدون أن «سوق الكويت للأوراق المالية يحتاج إلى تطبيق التشريعات الرقابية الحالية الموجودة في قانون هيئة أسواق المال لضمان سير التداولات اليومية على أكمل وجه ممكن، مشيرا إلى أن تطبيق القانون أهم من خلق تشريعات جديدة، فالتطبيق وقاية وتنفيذه يساهم في إبعاد المتداولين عن هذه الممارسات السلبية الخاطئة والالتزام بشروط القانون ومواده وخوفها منه».

وأضاف السعدون أن «هناك سهما لشركة صغيرة بلغت نسبة دورانه أكثر من 90 في المئة في أقل من شهر، ورغم ذلك لم تقم هيئة السوق بالسؤال عن أسباب هذه التداولات التي أدت لمثل هذا الدوران العنيف، فإن لم يثبت وجود أخبار أو تحركات فعلية من الشركة نفسها تبرر هذه التداولات، فإن القانون واضح بتغريم وإيقاف المتداولين المستفيدين من هذه الارتفاعات».

وقال إن «الاتحاد الاوروربي اليوم على شفى تشريع قوانين عنيفة تركز على تجريم التداولات الوهمية في أسواق مال الدول الأعضاء، تصل عقوباتها إلى السجن خمس سنوات وأكثر»، متابعا ان الهدف من تغليظ العقوبات هو معالجة أوجه القصور التشريعية التي تواجدت قبل الأزمة وظهرت سلبياتها أثناءها».

وشدد على أن «السوق الكويتي لا يحتاج إلى تغليظ العقوبات بقدر ما يحتاج إلى تنفيذ القوانين الحالية فقط، موضحا أنه لابد من إنهاء مرحلة إصدار القوانين على أنقاض القوانين الموجودة ودون محاسبة أو اعتذار رسمي حتى من قبل المتسببين في قصورها وأخطائها».

بحث وتحر

بدوره، ذكر خبير أسواق المال محمد الثامر أن الجهات الرقابية يجب ألا يقتصر عملها على جانب إجرائي معين، يتمثل بالاتصال بإدارة الشركة حال وجود تداولات كثيفة على سهمها، والاكتفاء بالرد الصادر منها.

وأضاف الثامر ان دور هذه الجهات يجب أن يتطور إلى ما هو أقرب لـ»البحث والتحري»، ومتابعة تداولات وأخبار الشركات، والتحري أكثر عند تكرار ارتفاع السهم دون وجود أسباب جوهرية، خصوصا إذا اتضح أن هناك رابحين قاموا بتكرار هذه الحركة على أكثر من سهم خلال فترة زمنية معينة، والعمل على تحويلهم لنيابة أسواق المال.

وأشار إلى أنه يجب ألا تترك الأرضية خصبة للمضاربين المتلاعبين، فليس بالضرورة ان من يتعامل بالأسهم ويتلاعب بالأسعار أن يكون من إدارة الشركة نفسها أو مجلس إدارتها أو قريبا منها، بل مضارب يعتمد على أسلوب خلق مستويات سعرية «وهمية» لتصعيد أسعار الأسهم التي يمتلكها.

وزاد ان من أهم المتطلبات الواجبة على إدارة البورصة تحديد توقيت صدور المعلومات والبيانات المالية وغير المالية المتعلقة بالشركات المدرجة في البورصة، فالأسواق المتقدمة تحدد أياما وأوقاتا معينة، لإعلان أرباح وخسائر الشركات، لضمان وصول المعلومة لكل المتداولين، موضحا أن الميزة في هذا الأمر ضمان العدالة الاجتماعية والتساوي في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشركات المدرجة، دون التأثر بظروف ما قد تؤدي إلى غيابها عنهم.

تدخل المشرع

من جهته، أفاد رئيس المدار للمحاماة المحامي عادل شمس الدين بأن من أبجديات الاستثمار في الأوراق المالية أن سر تحقيق الربح يكمن في الحصول على المعلومات والبيانات، مضيفا أنه كلما زادت المعلومات التي يملكها المستثمر عن شركة ما كانت قراراته في بيع أو شراء أوراق الشركة المالية أكثر دقة، ما يجعل قياديي وموظفي شركات المساهمة العامة في موضع مميز كمستثمرين، لأنهم يطلعون بحكم وظائفهم على معلومات لا يطلع عليها باقي المستثمرين.

وقال شمس الدين: «لذلك تدخل المشرع حماية لباقي المستثمرين، وجرم انتفاع المطلعين من المعلومات الداخلية، وفقا لنص المادة 118 من القانون رقم 7 لسنة 2010، الخاص بإنشاء هيئة أسواق المال التي جرمت وحرمت على المطلع (وهو أي شخص اطلع بحكم موقعه على معلومات أو بيانات ذات اثر جوهري عن شركة مدرجة لم تكن متاحة للجمهور) الانتفاع من المعلومات والبيانات التي يتحصل عليها بحكم موقعه».

ولفت الى انه لا يقتصر الانتفاع المجرم في هذا النص على استغلال المطلع للمعلومات الداخلية بشكل مباشر عن طريق بيع أو شراء الأوراق المالية، بل يشمل كذلك الكشف عن هذه المعلومات أو تقديم المشورة لغير المطلع.

وأكد أن المشرع حرص على عدم انتفاع أي شخص من هذه المعلومات حماية لباقي المستثمرين، وبذلك اعتبر سرية المعلومات الداخلية بالغة الأهمية، واعتبر عقوبة استغلال هذه المعلومات جريمة تصل عقوبتها إلى الحبس خمس سنوات، مشيرا إلى أنه لهذه الاسباب يجب على المستثمر أن يستقي معلوماته حول الشركات المدرجة من مصادر مشروعة، وأن يبتعد عن عمليات التداول المبينة على معلومات داخلية غير مشروعة.

وقال: «كثيرا ما يستبعد من أحذرهم من تداول الأوراق المالية بناء على معلومات من مصادر غير مشروعة قدرة النيابة العامة على إثبات ان هذه التداولات تمت بناء على معلومات داخلية، وهذه الردود تعكس فهما خاطئا للقانون، فصحيح كقاعدة عامة أن عبء الإثبات في المواد الجزائية يقع على النيابة العامة».

وزاد: «نظرا لصعوبة إثبات قيام المتداول بالتداول بناء على هذه المعلومات الداخلية أتى النص وقلب عبء الإثبات ليقع على مستغل هذه المعلومات، بنصه في المادة 118 من القانون رقم 7 لسنة 2010 على أنه (يعتبر الشخص الذي يتداول بالأوراق المالية أثناء حيازته للمعلومات الداخلية منتفعا بها إذا كان الشخص على علم بها عندما قام بالبيع أو الشراء، إلا إذا استطاع إثبات أنه لم يتداول بناء على تلك المعلومات)».

واردف ان هذا «يعني انه مادام المتداول لديه معلومات داخلية، وقام بشراء أو بيع الأسهم فمن المفترض استفادته من هذه المعلومات، وبالتالي يعتبر ارتكب الجريمة، إلا اذا اثبت هو عكس ذلك».

ربح وتجنّب خسارة

من جهته، قال أستاذ القانون في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم السهلي، «إنه يمكن الانتفاع بالمعلومات الداخلية غير المعلنة للجمهور بواحدة من طريقتين، الأولى تحقيق ربح، والثانية تجنب خسارة، ويكون الانتفاع بالمعلومات الداخلية لتحقيق ربح عندما يعلم المطلع بحكم موقعه إقبال شركة ما على تعاقد يدر الأرباح على الشركة، مما يدفعه إلى شراء أسهم الشركة قبل ارتفاع سعر سهمها بإعلان التعاقد»، مضيفا «يكون تجنب الخسارة بعلم المطلع بحكم موقعه في شركة ما بوجود خسارة محتملة للشركة، مما يدفعه إلى بيع الأسهم التي يمتلكها في هذه الشركة، حتى يتجنب هبوط سعر السهم بعد إعلان المعلومة للجمهور».

وأشار السهلي إلى أن «هذه المعلومات الداخلية غير المعلنة لا يجوز للمطلع عليها بحكم موقعه التداول بناءً عليها، ويعتبرها قانون هيئة أسواق المال رقم 7 لسنة 2010 جريمة طبقا للمادة (١١٨)، كما نعلم أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، لذلك كان لزاماً أن يكون هنالك تعريف محدد ودقيق للمعلومات الداخلية التي لا يجوز التداول بناء عليها».

وأضاف: يتجه كثير من لقاء القانون إلى أن هناك مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في المعلومة، حتى تعتبر من قبيل المعلومات الداخلية التي يشكل التداول بناء عليها جريمة. الشرط الأول يتمثل بوجوب أن تكون المعلومات حقيقية، إذ إن العبرة بالمعلومات الحقيقة لا بالإشاعات أو التوقعات الصحافية التي لا تؤثر على سعر السهم إلا مؤقتاً.

وتابع: كما يجب أن يكون للمعلومات تأثير جوهري على سعر السهم، ولكن بما أن المعلومة لم تنشر بعد، فلا يكون لها أثر إلا حين النشر، لذلك فالمقصود بأثر المعلومات الجوهرية هو احتمالية تأثر رأي المساهم أو المتداول بها، مما يؤثر على سعر السهم، فلا يتأثر سعر السهم إلا من خلال تغير رأي المساهم برغبته في شراء السهم أو بيعه، لذلك التأثير الجوهري يكون مبنياً على رأي المساهم.

وأشار السهلي إلى أن من شروط المعلومات الداخلية التي لا يجوز التداول بناءً عليها كذلك أن تكون هذه المعلومات غير معلنة للجمهور، فلا تعتبر المعلومات المعلنة من قبيل المعلومات الداخلية حتى لو علم بها عدد قليل من الجمهور، وفي نفس الوقت لا ضرورة لعلم الكل بها، فالعبرة لاعتبار المعلومات غير معلنة هو أن تكون غير متوافرة للجمهور بغض النظر علموا بها أو لم يعلموا، مضيفا

«ويجب أن تكون هذه المعلومات متعلقة بالأوراق المالية محل التداول، أو الشركة مصدرة الأوراق محل التداول، إذ إن في الحالتين يكون هنالك تأثير على سعر السهم».

وذكر أنه قد يدفع الطمع في تحقيق ربح أو تجنب خسارة الكثير من المطلعين للانتفاع بالمعلومات، «لذلك كلنا أمل وثقة في هيئة أسواق المال للتدخل والحد من استغلال المتنفذين لمواقعهم وحماية صغار المستثمرين من خلال تفعيل المادة ١١٨، وإحالة من يقوم بالتداول بناء على معلومات داخلية للنيابة العامة.

back to top