العدو رقم واحد (2 – 2 )
في معظم دورات التنمية الذاتية، والتي بات الكثيرون يقبلون عليها بهدف تعلّم أساليب حياتية إيجابية واكتساب مهارات التواصل والنمو الذاتي، نجد مجموعة متداولة من العلاجات التي كثُر شرحها وعرضها وغدت من المعارف العامة. وبالعودة إلى كتاب (اقهر الاكتئاب) لديفيد هندز والذي سبقت المناورة حوله في مقال الأسبوع الفائت، نجد خطوات مرتبة ومقنعة لعلاج أكثر الأمراض النفسية شيوعاً وانتشاراً وهو مرض الاكتئاب. لا يمكن الانطلاق قدماً نحو العلاجات المقترحة دون التخفف في البدء من حمولة الأنماط الشخصية التي يحملها الشخص على كاهله، تماماً كما يحمل بطل (أحدب نوتردام) حدبته الشهيرة، والتي بلا شك ترمز إلى جمله من الخبرات السيئة أو المؤذية التي تُكتسب خلال رحلة الحياة والتي تتراكم منذ سنوات الطفولة الأولى وما بعدها. إن التخفف من هذه الحمولة من خلال العلاجات المقترحة سيتيح للإنسان حرية التواصل بين عقله وجسمه وروحه، ومن ثم تجميع ذاته المبعثرة والخروج من نفق الاكتئاب وكل ما يتعلق به من مشاعر سلبية.
أولى مراحل العلاج يكون بتمرين العقل على كيفية إيقاف اجترار الأفكار السلبية حول الماضي، واقتطاع حوالي عشر دقائق كل يوم على الأقل من أجل (الصمت، النسيان، الهدوء). وذلك بإشعال شمعة في غرفة معتمة وهادئة وتركيز النظر في لهبها الخافت والتفكير في اللاشيء، مع محاولة الاسترخاء التام عضواً عضواً والتنفس بعمق. ويمكن لتفادي الأفكار الانغماس في تخيل مشهد من مشاهد الطبيعة الحية أو تذكر لحظات سعيدة. هذا التمرين إلى جانب فائدته في تحسين المزاج المكتئب، فإنه يساعد كثيراً في خلق ما يُسمى بالتفكير المعدَّل الذي يقود تلقائياً إلى الابتكار ويعزز الإلهام في مجالات الاختراع والفنون. من ضمن التراكمات المؤذية أيضاً الغضب والخوف. ويمكن التنفيس عن الغضب الذي يتراكم من خلال مواقف الحياة الواقعية وما يقود إليه من ألم وصراع وقلق، وذلك بتحريك الجسم بقوة من خلال رياضة تطلق طاقة الغضب المحبوسة كالقفز والركل وضرب أكياس الملاكمة، أو بالصياح والصراخ (في الخلاء أو أمام البحر)، أو في أحسن الأحوال الغناء وضرب الآلات الموسيقية. ويمكن إذا أردنا الفائدة العملية اللجوء إلى تنفيض السجاد بالمضارب أو توجيه اللكمات إلى عجينة البيتزا! أما الأسلوب الآخر للتخلص من الغضب فيكون بكتابة ما يزعجنا حتى لو احتوى أشد ألوان اللوم والتقريع ودون أن تأخذنا رحمة ولا شفقة بالمتسبب، ثم بمجرد قراءته يُستحسن تمزيقه ورميه بكل ما حوى من مشاعر سلبية وغاضبة. أما الخوف، والذي عادة ما يأتي مع المواقف المحرجة أو التي تشعر بالفشل أو الارتباك أو النقص أمام شخص أو حالة، فهي مخاوف عادة ما تكون من صنع العقل وغالباً ما تكون بلا قيمة ولا فائدة. ويمكن التغلب عليها بالكوميديا التخييلية، أي أن تتخيل أن الشخص أو الموقف المتسبب في الخوف في هيئة مضحكة أو مزرية أو كاريكاتورية. ومن خلال هذه اللعبة الذهنية يمكن تهذيب الخوف وتلقينه درساً عن القوة الهائلة لفن الكوميديا، وذلك بدلاً من الاستسلام لمشاعر البؤس وتعذيب الذات. هناك مقولة للرئيس الأميركي السابق روزفلت جاء فيها: "لقد أصابني الخوف كثيراً، لكنني لم استسلم له أبداً. إنني فقد تصرفتُ ببساطة وكأنني لستُ خائفاً، وبالفعل اختفى الخوف في وقت قصير". أما ما تبقى من مقترحات علاجية للمزاج الاكتئابي فيمكن التعرف إليها من خلال تفعيل جملة من المبادرات. منها اللجوء إلى الحوار والفضفضة مع الأصدقاء أو المقربين الذين يحسنون الإصغاء والتعاطف. ومنها الاستشفاء بالموسيقى بما تحمله من طاقات الفرح أو الاسترخاء أو التأمل، ومنها الرقص بما يضيفه من نشاط حركي ويحدثه من توازن ذهني وبدني. من العلاجات أيضاً اللجوء إلى جلسات التدليك والمساجات المنعشة والغطس في الحمامات الدافئة، وكذلك العلاج بالضحك الذي يطلق هرمونات السعادة ويدلك القلب وينعش الروح. وهناك من الناس من تسعده تربية الطيور والحيوانات الأليفة ويجد في صحبتها الكثير من السلوى والتواصل النفسي الحميم. إن السعادة لا يجلبها المال ولا المقتنيات الفارهة ولا جمال المظهر ولا الشهرة ولا المركز الرفيع، وبالضرورة فإن هذه الأشياء مجتمعة لن تهزم مرض الكآبة حتماً. ولكن بقي أن نؤكد أن السعادة يمكن أن تتحقق بوجود الهدف في الحياة، بل أن الأكثر سعادة من الهدف هو الطريق الذي يصعد نحوه، وما يُمارَس خلال هذا الطريق من جهد وإصرار، فكثيراً ما قيل بأن الطريق أجمل من الوصول، وهو حتماً كذلك. وهذا اللون من الصعود في مستوييه الواقعي والنفسي لا وقود له سوى الشغف والحب لما ننجز ليكون علامة على السعادة وتحقيق الذات.