أتابع بشغف ما يكتبه على هذه الصفحة كاتب كبير أقدره وأحترمه كثيراً، بالرغم من اختلافنا في الرأي والتوجه، فهو يكتب دائماً دفاعاً عن جماعة الإخوان قبل 30 يونيو وبعده، فاحتكاك الآراء يومض شعاع الحقيقة والحق، ولهذا كنت في ما أكتب باحثاً عن الحقيقة في الرأي الآخر، وما يستند إليه من حجج وأسانيد، وليست الحقيقة احتكاراً لما جعبتي منهما، وصاحبنا يملك قلماً صحافياً بارعاً في عرض ما يراه من رأي، وهو من النخبة، الذين يعتبرهم المواطنون والعامة قدوة لهم ونبراساً يهدي طريقهم، كما جاء في مقاله الأخير أول أمس.

Ad

وهو ما يلزمني بالرد على ما قاله في مقالاته السبعة التي بدأها في 20 سبتمبر، وأتساءل كما تساءل في هذا المقال: هل يحق لهؤلاء النخبة أن يكذبوا ويخدعوا الشعب؟ وإذا كانوا يكذبون فكيف ينظر إليهم الشعب؟ وهل يمكن أن يحترمهم؟

صفات تربع على عرشها الرئيس

وإذا كان كاتبنا الكبير يختص بسؤاله ويتهم النخبة التي تعارض جماعة الإخوان بالكذب والخداع فقد كان الرئيس د. محمد مرسي، هو القدوة والنبراس لشعب أولاه ثقته، وكان دينه يفرض عليه أن يكون صادقاً مع شعبه، فضلا عن أنه بحكم رئاسته لمصر، وتأييد التنظيم الدولي للجماعة، كان مؤهلا لأن يكون خليفة للمسلمين، عندما تعود الخلافة التي يسعى إليها هذا التنظيم.

فقد كذب الرئيس المخلوع على شعبه وأخلف وعوده له خلال انتخابات الرئاسة، وخان الأمانة التي ائتمنه عليها هذا الشعب العظيم.

وقد سئل الرسول عليه الصلاة والسلام، أيكون المسلم بخيلا؟ قال نعم، أيكون المسلم جبانا؟ قال نعم، ولما سئل أيكون المسلم كذابا؟ قال: لا، لأنها صفة بذيئة تخرج الإنسان من ملته.

وإن آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان، وفي رواية أخرى، وإذا خاصم فجر.

وجميع هذه الصفات تربع على عرشها الرئيس المخلوع فترة حكمه.

الانقلاب على الجيش

وقد كذب الرئيس المعزول على شعبه وأخلف وعده له وخان الأمانة التي حملها عندما انتخب على أساس ما وعد به شعبه، وأكده في حملته الانتخابية من أن تعيين وزير الدفاع سيكون بالتشاور مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك الحال مع وزير الداخلية سيكون التعيين بالتشاور مع المجلس الأعلى للشرطة، وتعيين وزير العدل بالتشاور مع المجلس الأعلى للقضاة، ونفى أن تكون هناك أي حساسية لأي عضو من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الأهرام 9 يونيو 2012).

وعندما عين الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع، لم يتشاور مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد عزل أغلب أعضائه في انقلابه المعروف على الجيش... ألم يغدر بقيادة الجيش التي ساندته في معركته الانتخابية، عندما دعا القائد العام للقوات المسلحة ورئيس أركان حرسها إلى قصر الرئاسة، واحتجزهما في إحدى غرف قصر الرئاسة، أثناء تأدية وزير الدفاع ـ الذي اختاره ـ اليمين.

فقد كان هذا الانقلاب على الجيش والحديث مع أي شخص مؤيد له، هو الذي يصدق عليه قول الكاتب إنه حديث كوميدي، يفترض أن يدفعك إلى الابتسام لكنه للأسف يدمع العين ويثير الأسى والحزن على مستقبل مصر (مقال 27/9)، وليس ثورة شعب خرج يوم 30 يونيو بأعداد تربو على الثلاثين مليوناً، تطالب برحيل الرئيس، وإنهاء فترة أسوأ حكم عرفته مصر، منذ إعلان استقلالها في عام 1923.

الرئيس المعزول والوحدة الوطنية

ولم يف الرئيس المعزول بوعوده التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية، حيث تعهد بألا يكون حزب الحرية والعدالة أغلبية في الحكومة القادمة ولا في مؤسسة الرئاسة، وقال: أريد المشاركة من القبطي لحمل ملف الأقباط، والمرأة لحمل ملف الأسرة، فالبلد في حاجة لكل أطياف الشعب بمختلف أجناسهم وعقائدهم ليؤدوا الواجب الوطني المنوط بهم للنهوض بمصر.

وسوف يكون الجميع بعد فوزه بالرئاسة إن شاء الله سواء، الكل لهم تقديرهم من أعطاه صوته ومن لم يعطه، مشددا على أنه لن يخاصم من لم يقم باختياره بل يقدره ويحترمه بنفس القدر الذي هو لمن انتخبه.

فلم يف بتعهده، وقسم الشعب قسمين؛ انفردت الأقلية فيه بوضع دستور للبلاد، وهو عقد اجتماعي يجب أن يكون عقدا توافقيا، تتوافق فيه كل القوى الثورية والوطنية، وكل أطياف المجتمع وألوانه وتوجهاته، فقد انسحبت كل هذه القوى والأطياف والألوان والتوجهات من الجمعية التأسيسية التي وضعت هذا الدستور.

نعم إن الرئيس المعزول ونظام حكمه، هو الذي قسم الشعب إلى قسمين، وليست ثورة 30 يونيو التي وحدت الشعب خلف أهداف ثورة 25 يناير، التي سرقتها جماعة الإخوان من الشعب والشباب الذي قدم دماءه الزكية قربانا لها.

وأيا كانت الظروف والملابسات التي أحاطت بالانتخابات البرلمانية والرئاسية فقد تكلل المشوار الطويل للجماعة، الذي بدأ منذ أكثر من ثمانين عاماً بنجاحها في تولي سدة الحكم، إلا أنهم فشلوا في إعداد دستور يليق بمصر، ويحقق أهداف الثورة ويلبي مطالبها في إقامة حكم ديمقراطي سليم يقوم على تداول السلطة؛ لأنهم ببساطة لا يرون سوى أنفسهم على أرض مصر، وأنهم الشعب المختار على هذه الأرض الطيبة، وأن السلطة وقد آلت إليهم وأصبحت في أيديهم دونها خرط القتاد، وأنه إذا كان ليس لديهم خيار إلا وضع دستور، فإن عليهم توظيف الدستور وآلياته لضمان بقائهم في الحكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.