هل نسعى في الحب لإيجاد حبيب يناسب صورة الحب الذي في أذهاننا، أم نسعى لإيجاد حب يناسب الحبيب الذي بين أيدينا؟!

Ad

حبيب على مقاس الحب، أم حب على مقاس الحبيب؟!

صورة للبرواز، أم برواز للصورة؟!

نجمة للضوء الذي اختزناه في حقائب القلب منذ كانت الصباحات المراهقة تشاغب سهر أحلامنا، أم ضوء لنجمة استقرت للتو سماء القلب بعدما تبين لنا الخيط الأبيض من الأسود من أيام العمر؟!

حينما كنا صغاراً... لم نترك سطرا في ذاكرتنا إلا وملأناه بقصص الغرام الكبرى، ابتداء من قيس وليلى وليس انتهاء بروميو وجولييت، مروراً بكل قصص الغرام المعبأة بالشعر، واحتدام المشاعر، وحرقة الحرمان، وجنة الوصال إن كُتبت!

هذه القصص وغيرها مما تروى لنا شكلت بنحو ما صورة نمطية للحب لا تكاد تختلف عند أي منا،

نقشت في وجداننا وجها لحبيب أو حبيبة لهما نفس الملامح والصفات في خيال كل مرتجٍ للحب فينا،

كل فتى منا أخذ ينتظر لقاء "جولييته"، وكل فتاة راحت تحلم بقيسها، أو ما شابههما من العشاق.

هذه الصورة للحب التي كرّسها في مخيّلتنا عشاق (في نظري) ليسوا أسوياء، قادت معظم محاولاتنا في الحب إلى هاوية الهلاك،

عشاق مخبولون، أو مجانين، أو تعساء يائسون هم من كتب على سبورة قلوبنا دستور الحب، ورسموا لنا وجوه أحبابنا الذين سنحبهم حتى قبل أن نحبهم،

أقنعونا بأن الحب ما كان فقط نسخة طبق الأصل عن سيرتهم الذاتية، والعشاق الحقيقيون هم فقط من تتطابق بصمات أصابعهم مع البصمة الشخصية لهم والمثبتة في صحيفة سوابقهم في كتب التراث.

لم يراعوا أننا بشر طبيعيون أسوياء،

لسنا أناساً استثنائيين، ولا مجانين، ولا أحبتنا كذلك،

ولسنا كلنا شعراء نهيم على وجوهنا في كل واد بحثا عمن يشاركنا صناعة سلّم للصعود إلى السماء في معراج غرامي،

ولسنا يائسين من الحياة نتلهف على إيجاد نافذة على هيئة حبيب يخرجنا من هذه الدنيا ثم يلحق بنا سريعاً،

نحن مجرد أناس عاديين نبحث عن حب على مقاس "عاديتنا" يسعدنا،

كل قصص الغرام التي حفظها الزمن هي قصص استثنائية لعشاق غير عاديين، قد تثري خيالنا، لكنها لا تناسب "عاديتنا"، ولا يصحّ أن نؤسس عليها واقعاً،

نحن أناس عاديون، وأحبابنا عاديون، ونبحث عن حب يناسب عاديتنا ويمنحها جمالاً،

نبحث عن حب لا يتحدانا أن نكونه،

حب لا نطارده كسراب تحت عباءة الهجير حتى نموت من الظمأ،

حب واقعي، يصاحبنا إلى مقر أعمالنا صباحاً،

يرتشف معنا فنجان قهوتنا،

يحرّضنا على الفرار من مكاتبنا حين يكون الجو غائماً في الشتاء،

يشفق علينا حين تصبح فاتورة الكهرباء مكلفة، وينصحنا بقضاء بعض الليل على ضوء الشموع لأنها أكثر رومانسية، وسلوك يعكس في ذات الوقت امتثالاً لوصايا وزارة الكهرباء بالترشيد!

يؤنسنا حين وقوفنا في الطابور لإنهاء معاملة حكومية مملّة،

حب يعيش معنا حياتنا اليومية العادية،

لا حب مستحيل نقضي العمر دون أن نعيشه،

كل فتاة حلمت بقيس آخر وقعت في فخ اليأس،

وكل فتى حلم بجولييت أخرى عاش بلا قلب.