من يقرأ اقتراحات بعض النواب "إن لم يكن أغلبهم" لا يملك إلا أن يرثي لحالهم واقتراحاتهم التي تنمّ إما عن خداع مع سبق الإصرار والترصد أو عن سطحية في نظرتهم للأمور وعدم التشخيص الصحيح لأسباب التدهور والجمود في حال البلد، وأحد هذه الاقتراحات هو اقتراح زيادة عدد أعضاء المجلس عبر تعديل المادة 80 من الدستور إلى 70 نائباً، والذي يتبناه بكل قوة النائب يعقوب الصانع.
والمبرر الذي يتم تسويقه لدعم هذا المقترح هو الدفع بعجلة التنمية لأن الوزراء غير قادرين على متابعة أعمالهم نظراً لأن عدداً منهم يحمل حقيبتين، وكذلك بالنسبة إلى النواب المطالبين بتأمين نصاب 18 لجنة برلمانية، إضافة إلى كون الحكومة الكويتية أقل الحكومات عدداً في العالم، وكذلك بالنسبة إلى المجلس. كل هذه المبررات قد تبدو منطقية ووجيهة، لكن كما سنرى بأن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.فإذا كان عدد الوزراء غير كاف لمتابعة أعمال الحكومة، فالعلة ليست في العدد لكن بقيام الحكومة بإدارة أغلب القطاعات الاقتصادية في الدولة مما أدى إلى زيادة البيروقراطية والبطالة المقنعة والواسطة في التعيينات والترقيات وبالتالي زيادة الفساد، وزيادة عدد الوزراء لن تحل الوضع وتسرع من عجلة الإنجاز لأنها لن تستطيع حل معضلة البيروقراطية القاتلة وتشابك الاختصاصات، كما أن كبر حجم الحكومة وربط أغلب حاجات الناس وفرصهم الوظيفية فيها أنهكا الوزراء نظراً لكثرة الموظفين وقلة الفرص المعروضة سواء بالترقية أو الوظيفة و(كل يحاول تقريب الناس من قرصه)، ولذلك تكثر طلبات الواسطة والمعاملات التي تعرض عليهم من النواب، وهذا يلتهم وقتا وجهدا كبيرين من الوزراء.وهذا الوضع ليس متعبا للوزراء فحسب بل أيضا للنواب؛ لأن الناس باتوا يلجؤون إلى النائب في كل صغيرة وكبيرة في تمرير معاملاتهم، إما بسبب سوء إدارة الحكومة لأعمال الوزارات أو بسبب تعمد الحكومة لتعطيل حاجات الناس حتى تستطيع ابتزاز النواب واستمالتهم في التصويت إلى جانبها في المجلس. ولذلك نجد أن جانبا كبيرا من وقت النواب مخصص لحل معضلات الناس بدلا من التفرغ للتشريع والتفكير بقوانين جديدة وحضور جلسات اللجان التي يقوم النواب أنفسهم بزيادة عددها ليشتكوا بعدها من عدم اكتمال نصابها! وزيادة عدد النواب لن تحل هذه المشكلة، بل ستزيدها تعقيدا لأنها ستعني زيادة الصراع بين النواب ومن خلفهم من ناخبين على الترقيات والوظائف في الدولة، وزيادة متاهة الوزراء لأنهم سيكونون مطالبين بإرضاء 70 نائبا بدلا من 50، وإلا سيكون سيف الاستجواب مصلتا عليهم، وهذا بالطبع سيزيد من الفساد بدلا من تقليله وسيضع مزيدا من القيود على دفع عجلة التنمية الحقيقية لا الوهمية.إن علة الجمود والتدهور ليست في عدد أعضاء الحكومة والمجلس، ففي الولايات المتحدة هناك 435 نائباً مقابل 313 مليون مواطن (أي نائب لكل 720 ألف مواطن)، وفي بريطانيا هناك 650 نائباً مقابل 63 مليون مواطن (أي نائب لكل 100 ألف مواطن تقريبا)، أما في الكويت فهناك نائب لكل 24 ألف مواطن فقط؛ لذلك إن كنا نريد حكومة ومجلسا أكثر كفاءة فلا مناص من تحرير الاقتصاد وفك قبضة الدولة عن إدارة الخدمات وتقليل حجم الحكومة إلى الحد الأدنى، بحيث يكون دورها مقصورا بالغالب على مراقبة الاقتصاد والأعمال بدلا من إدارتها. حينها سيتفرغ الوزراء للنظر إلى استشراف المستقبل، وسيتفرغ النواب للتشريع والإبداع في سن القوانين التي تضمن العدالة والمساواة، وتشجيع الاستثمار والأعمال الحرة والصغيرة بدلا من الانشغال بتخليص المعاملات.
مقالات
زيادة عدد النواب اقتراح فاسد
20-03-2014