في حفل الأوسكار الأخير كان الجميع يراقب ما سيحصده فيلم "جاذبية" للمخرج ألفونسو كورون الذي يعشق أفلام الخيال العلمي، وأخرج "أطفال الرجال" عن رواية "ب. د. جيمس" وأحد أفلام سلسلة هاري بوتر الشهيرة. لم يحصل الفيلم على الجائزة الأهم وهي أفضل فيلم والتي ذهبت الى فيلم "12 عاما من العبودية"، لكنه حصد سبع جوائز من الأوسكار، أهمها بالتأكيد للمخرج المغامر الذي وجد صعوبة في البحث عن منتج يشبهه في حب المغامرة ليعود الى ديفيد هيمان الذي أنتج معه فيلم هاري بوتر ويشارك في الانتاج كما شارك في كتابة  الفيلم ابنه.

Ad

قصة الفيلم لم تكن بحاجة للكثير من التقنيات الكتابية وما أراده المخرج هو الابهار البصري مستخدما تقنيات سينمائية منحت القائم عليها احدى جوائز الأوسكار السبع. لا يوجد نص قصصي بنيت عليه حكاية الفيلم والحوار القصير الذي يتردد في الفيلم كان محاولة لكسر الملل أمام عمل كان بالامكان أن يتخلى نهائيا عن الحوار. في هذا الفيلم تتجلى السينما بكل مقوماتها مقابل موت النص الأدبي ويبرز دور المخرج ومساعديه في صناعة تشدنا حتى النهاية وكأننا نشارك البطلين الرئيسين رحلة في الفضاء تثير رعبنا. وربما كان استخدام تقنية  3D مبررا لكي نكون جزءا من الشاشة العريضة.

منذ بداية الفيلم وحتى نهاية التسعين دقيقة وهي مدة الفيلم لم يخرج الفيلم لحظة واحدة عن موضوعه الرئيس، لم ينجرف لتضمينات تشكل حشوا تمتاز به سينما هوليوود في الغالب. ركز صناع الفيلم على حوار بسيط هو الأهم بين جورج كولوني وساندرا بولاك وهو يحاول اخراجها من متاهتها متحدثة عن مأساة ابنتها. ولكنها تجد نفسها في حال تشبه "توم هانكس" في castaway ناجية وحيدة من سفينة مدمرة الا أنها سفينة فضاء. تنتقل من محطة فضائية دولية الى سفينة صينية حتى تصل الأرض في النهاية خارجة من رحم الماء الى اليابسة.

المقاربات السينمائية التي اعتمد عليها الفيلم ليست حديثة على الشاشة الأميركية مؤخرا. دور المرأة الشجاعة في مواجهة الموت على الأرض ممثلا في وفاة الابنة ودورها الأكبر في الأمل والبحث عن الحياة رغم استحالة الوضع الذي وجدت نفسها فيه في الفضاء وتغلبها عليه في رحلتها الأولى كمهندسة طبية مقابل خروج زميلها "الرجل" الأكثر خبرة من المشهد الأخير. اضافة الى تصوير مشهد الفضاء المرعب المليء بالسواد وما يتركه الانسان من أسلحة تدمير تتحرك بحرية، وربما المشهد الأخير والبطلة تتابع كرات اللهب وهي تتجه نحو الأرض كانت رسالة مهمة من صناع الفيلم لما سيحدث لاحقا.

المشهد الذي أعاد للمشاهدين أنفاسهم هو مشهد الأرض البكر على ضفاف البحيرة التي سارت عليها البطلة وكادت تقبل طينها وهي تتنفس حياتها المستعادة. كانت الأرض دافئة وحنونة بعد صراع طويل مع الموت المحقق الذي واجهته. كان ذلك كله حوارا تركه المخرج للمشاهد ممتنعا عن القيام بدور الراوي أو من ينوب عنه. ما نجح فيه الفيلم بامتياز هو عودة السينما الى  السينما مستخدما حديث الصورة بدلا من الحوار.