كي لا تصاب رؤوسهم بالصداع
تصريح المصدر المسؤول بوزارة الداخلية لجريدة الوطن (عدد أمس الأول) المهدد للبدون المتظاهرين هو تصريح غير مسؤول، وهو فضيحة شائنة تصم الخطاب السياسي للدولة في قضايا هتك حقوق الإنسان، ويمكن وضع هذا التصريح في خانة التصريحات الفاشية، والتي لا يجوز أن تخرج من مسؤولين في دولة تتشدق سلطتها الحاكمة بالدستور وحكم القانون.تصريح "المصدر غير المسؤول" يتوعد جماعات "البدون" في حالة قيامهم بالتظاهر بالطرد والتسفير، وأن هذا العقاب لن يكون قاصراً على "الأشقياء" المتظاهرين فقط، بل سيطول عائلاتهم! فالترويع هنا يمتد إلى رب الأسرة الذي "لا يستطيع إحكام قبضته على أسرته". ويمضي خطاب المصدر غير المسؤول إلى التقرير، بكل ثقة وبلغة فجة، أن مثل تلك العقوبات التي تقررها وزارة الداخلية ستكون "ضمن القانون ومن صلاحيات الوزير"! أيُّ قانون هذا الذي يتنطع به المصدر المسؤول العنتري؟! فالعقوبات الجماعية هي من سمات دول الطغيان، وما أكثرها اليوم في النظام العربي قبل الربيع وبعد الثورة المضادة، ولا علاقة لها بدولة القانون والشرعية، فمبدأ شخصية العقوبة، بمعنى أن العقاب لا يمتد إلى غير مرتكب الفعل المؤثَّم، هو من المبادئ الدستورية ومنصوص عليه في الدستور الكويتي وفي معظم قوانين الدول التي تحترم نفسها والبشر الذين يعيشون على أرضها.
يظهر بوضوح أن "وزارة الرعب" في الدولة تملك رصيداً ضخماً من التعالي والغطرسة في لغة خطابها للبدون ولغير البدون من المهمشين مثل الوافدين، فالمتظاهرون، في القاموس الأمني، مجرد نكرات طفيلية "يتعيشون" من صدقات الدولة وأريحيتها، ويمكن القضاء عليهم حين يقرر أصحاب الأمر والنهي أصحاب الكرم والتسامح! هنا تظهر الرؤية الحقيقية عند السلطة نحو واقع البدون، فهي تبرئ نفسها من عبء مسؤوليتها نحوهم، حيث أوهمت نفسها بأنها لم تخلق مأساتهم منذ البداية حين صدر قانون الجنسية نهاية الخمسينيات، أو في ما بعد، حين تركت قضيتهم للمجهول ماداموا كانوا مسخرين لخدمة الدولة في الجيش والشرطة أو في عدد من الوظائف الشاقة، حين كانت تشكو تلك المهن قلة المنتسبين إليها من المواطنين، وتحت تصور أنه يمكن التخلص منهم في أي وقت يراه أصحاب السلطة متى استنفدت الغاية من الاستخدام.بهذا العمى والاعتباطية في الإدارة السياسية شخّصت السلطة واقع البدون، سياسة الصدفة والارتجالية، فمثلما تحكم إدارة الأمور في جل قضايا الدولة حكمت وأدارت قضية البدون، لنصل إلى هذه النتيجة اليوم، فلا جناسي، ولا حقوق مدنية للبدون، ولا سلطة قضائية يمكن لها أن تنظر في حقوقهم بالجنسية من عدمها، فهل يتعين على البدون الكويتيين أن يخرسوا أمام واقعهم المزري، كي لا تصاب رؤوس وزارة الداخلية بالصداع؟!