الأوسمة الفلسطينية
تصل إلينا الأخبار على فترات متقاربة أحياناً ومتباعدة أحياناً أخرى، حول منح بعض الشخصيات الفلسطينية والعربية أوسمة ونياشين، بالإضافة إلى تكريم من نوع خاص كإقامة المراكز والمتاحف لبعض الرموز الوطنية والثقافية والاجتماعية وغيرها لمن يستحقون التكريم.والمتتبع لهذه الاحتفالات بتكريم الشخصيات، يجد أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يمنح بعض هذه الأوسمة والنياشين لشخصيات غادرتنا منذ سنوات بعيدة وقريبة إلى العالم الآخر، وشخصيات مازالت في أوج عطائها.
تقليد جميل تقوم به الدول المتقدمة والمتحضرة لرموزها التي تؤدي دوراً وطنياً أو إنسانياً وخدمات جليلة يصيب من أثرها الطيب الكثيرون.والسلطة الفلسطينية في انتهاج هذا العُرف السائد يجعلنا نثني على لفتتها الكريمة التي يتمنى مستحقوها الحصول عليها في حياتهم، وهذا ما نادى به المفكرون والمبدعون منذ زمن بعيد، ولا يكون التكريم مقصوراً على من تركنا أو على "قلة" مميزة ممن هم بيننا والذين في أكثرهم ينتمون إلى "فئة بعينها"، مما يجعل التكريم ليس خالصاً في حد ذاته رغم أنه لا ينقص من قدر المُكرَّم شيئاً، وأن يتم التجاوز عن تكريم شخصيات كانت تثار حولهم الأسئلة في حياتهم وبعد مماتهم.ولا شك أن التكريم له مقاييس وضعت لتكون أساساً يُبنى عليه.إلا أن هذه المقاييس في كل بلاد العالم لها مخارج وبعضها "مطاط"، وبعضها يتم فيه التجاوز، وهذا أيضاً يُقلل من قيمة التكريم. فمال بالنا والتكريم منقوص في حد ذاته؟!إذ إنه يُمنح من "نصف الدولة" فقط، ولا نتصور أنه كامل وهو يمنح من قبل السلطة التي "تفتقد" نصفها الآخر في "غزة".وفي "غزة" تقدم حكومتها الدروع والشهادات والكوفيات لكل من يزورها تحت الحصار من رؤساء الجمعيات الإنسانية والمتضامنين كنوع من التكريم أو لبعض رموزها، ولكن هذه تختلف عن تلك، فهذا التكريم ذو خصوصية وتقدير لموقف إنساني لكنه لا يرقى إلى مستوى ما يمنحه رئيس السلطة التي تمثل الدولة الفلسطينية بشقيها المنقسمين!سيكون التكريم أكبر حجماً وأعلى قيمة لو مُنح لكل مواطن يستحقه دون اعتبار لأي انتماء بل بناء على عطاء مميز وخدمات جليلة للوطن وللإنسانية، ذلك أن التكريم "بالانتقاء" يعطي انطباعاً سلبياً عن أولئك الذين استبعدوا عن قصد، بينما هم يعملون للوطن وقضيته لسنوات، وتحملوا الكثير من المصاعب والتضحيات.ولعلنا هنا نذكِّر الذين مازالوا بيننا من المُكرمين، أن هذه الأوسمة تضع على كاهلهم مسؤولية الاستمرار ولو بزيارة شجاعة إلى نصف الوطن المنشطر وفي كلا الاتجاهين فالرسالة "أولها كلمة وآخرها فعل وعمل"، ولا أظن أحدهم ينتظر مثل هذا النصح.ففي دولة متماسكة في طرفيها، فإن المُكرم سيكون أكثر سعادة واحتراماً لذاته ولمن منحه هذا التكريم.* كاتب فلسطيني - كندا