الترتيبات العسكرية تتم في خط مواز لتحركات سياسية جديدة بدأت بالفعل قبيل الهدنة الأخيرة، فتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وبعده مباشرة سلسلة اللقاءات والمؤتمرات الصحافية لمستشاريه واضحة ومباشرة بأن إسرائيل كسبت حلفاء جدداً مهمين من العرب، وتغزّل نتنياهو المباشر بدول رئيسية في الخليج رسالة قد يكشف عن مضمونها في الأيام القادمة.

Ad

حالات العدوان الإسرائيلي على العرب منذ عام 1948 انتهت بصفقات سياسية وترتيبات استراتيجية لمصلحة الكيان الصهيوني، فبعد كل جريمة دموية وعلى أشلاء الأطفال والنساء والمدنيين تقفز الدولة اليهودية خطوة إلى الأمام تجاه اختراق المنطقة العربية وبدء التطبيع مع أطراف مهمة وأساسية فيها، وسيناريو إنجاز سياسي آخر يلوح في الأفق بهندسة أميركية مدروسة ومحكمة.

العدوان الأخير على غزة كان وفق معطيات مختلفة، وأداة القتل الصهيونية لم تفلح في تدمير الأنفاق، ولم تنجح في استهداف مواقع الصواريخ الفلسطينية لصعوبة الوضع العسكري من جهة، وتطوّر الأداء القتالي للمقاومة كماً وكيفاً والروح المعنوية العالية للشعب الغزاوي من جهة أخرى.

لذلك تغيرت استراتيجية الحرب الإسرائيلية واستهدفت البنية التحتية لغزة بشكل كامل تقريباً، بما فيها محطات الكهرباء والماء والمدارس والجامعات والمصانع وتسوية قرى كاملة بالأرض، هذه الاستراتيجية انتهت بالموافقة المبدئية من الجانب الإسرائيلي ليس على وقف إطلاق النار فحسب، بل حتى على إمكانية رفع الحصار عن غزة، وتزامن ذلك بمبادرة جون كيري لإعادة إحياء فكرة الدولتين.

الإعلام العربي ساهم بدوره في تهميش التعاطف العربي مع غزة حكومياً وشعبياً، وكما نجح هذا الإعلام خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006 بعزل المقاومة اللبنانية من بعدها القومي، واختزالها في الزاوية المذهبية باعتبارها شيعية، وتحريض العرب السنّة على مباركة القصف الصهيوني تحت ادعاءات استهداف قيادات حزب الله اللبناني، نجح نفس الإعلام العربي في حرب غزة الأخيرة إلى حد كبير في تصوير العدوان الإسرائيلي باعتباره استهدافاً لقيادات حماس وإضعافاً لتنظيم الإخوان المسلمين.

في بعد جديد فإن ما تمارسه التنظيمات المسلحة التكفيرية الجديدة من مجازر في عدد من الدول العربية ساعد إلى حد كبير في انشغال الشعوب العربية بمصائبها الخاصة لا سيما في المناطق المحاذية للكيان الإسرائيلي، وهذا ما يعزّز نظرية الصنيعة الأميركية الصهيونية، وبالتنسيق مع بعض الحكومات العربية لهذه الفرق الجهادية كـ"النصرة" و"داعش".

هذه الترتيبات العسكرية تتم في خط مواز لتحركات سياسية جديدة بدأت بالفعل قبيل الهدنة الأخيرة، فتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وبعده مباشرة سلسلة اللقاءات والمؤتمرات الصحافية لمستشاريه واضحة ومباشرة بأن إسرائيل كسبت حلفاء جدداً مهمين من العرب، وتغزّل نتنياهو المباشر بدول رئيسية في الخليج عبر اتهام قطر الصريح بأنها الداعم الرئيسي لحماس رسالة قد يكشف عن مضمونها في الأيام القادمة.

الجفاء الأميركي–الإسرائيلي منذ تولي الرئيس أوباما السلطة وإعلان كيري انهيار المفاوضات الإسرائيلية– الفلسطينية قبل شهر واحد من العدوان على غزة انقلب فجأة لتعود الحميمية إلى هذه العلاقات من جديد.

أخيراً صندوق الـ"50 مليار دولار" لإعادة إعمار غزة المقترح أميركياً وبتمويل خليجي هو مفتاح الترتيبات الجديدة، فانشغال الفلسطينيين في إعادة بناء بيوتهم وخدماتهم قد يفتح آفاق التطبيع الصهيوني مع دول خليجية، وسوف يطبّل البعض لذلك بحجة وصول "الدواعش" إلى حدودها، فجرائم "داعش" تحت المظلة الإسرائيلية، وآخرها فتح أسواق النخاسة للسبايا العرب، من شأنه الترويج لإنسانية الصهاينة!