دستور «الأمر الواقع» التهم معظم مواد دستور 62 عبر عمليات «تقبيح» قيل إنها عمليات تجميلية تنشد التنظيم، وضمان حقوق المواطنين والوافدين، حيث تبدأ فقراته بأنه يجوز و«ما فيها شيء» ، لكن يا ويلك من «لكن وإلا»، وإلا هذه علة لأنها تجر الموهوم بالديمقراطية من رحابة سماء النص الدستوري إلى ضيق النص القانوني وقتامته.
أول وأكثر من تحدث عن وجود أكثر من دستور في الكويت هو الدكتور أحمد الخطيب– أطال الله في عمره- ما زلت أذكر تلك الندوة التي تحدث فيها الدكتور في جمعية الخريجين بمناسبة الذكرى الأربعين لوضع الدستور، عن دستور 1962 الذي يدرس في كلية الحقوق، ويذكر في المناسبات الرسمية، ودستور "الأمر الواقع" الذي نتمرغ كل يوم في نعيمه وخيراته، وأخيراً هناك دستور ثالث هو دستور "المطاوعة" وهذا من عندي.دستور "الأمر الواقع" غير مكتوب مثل الدستور البريطاني، وهذا هو الشبه الوحيد بين الاثنين، لديه سدنة يقدسونه ومشايخ يحفظونه وأصحاب قرار ينفذونه ويحمونه، ولمن يريد التعرف عليه فإن عليه التوجه إلى الدواوين المبخرة التي يتوسطها "العمام" ويحلق من حولهم "الحمام" بكل أنواعه مثل الزاجل الذي ينقل الأخبار، و"القلابي" الذي يلزق بمادة "العملة الصعبة" حتى تذوي ويطير لـ"عش" آخر... إلخ.في دواوين "العمام طويلين العمر والنظر"، ستسمع مواد دستور "الأمر الواقع" مع الشروحات التفسيرية التي يرددها بطلاقة وقوة عين منقطعة النظير أكفأ "مبلطي الدستور المقدس"، وأشهر نجوم "المساء والسهرة" على القنوات "الحكومية" والخاصة، ستسمع بصوت مجلجل واثق أجمل عبارات الدفاع عن حرية الكلمة بدون استعمال اللسان، وحرية القلم بدون مسك القلم، وحرية الاحتجاج في الديوانية، وحرية التجمع فوق السرير، وحرية إصدار الصحف على جدران "المحولات والحمامات"، وسلسلة من الحريات الوافرة التي يضمنها دستور "الأمر الواقع" غير المكتوب.دستور "الأمر الواقع" التهم معظم مواد دستور 62 عبر عمليات "تقبيح" قيل إنها عمليات تجميلية تنشد التنظيم، وضمان حقوق المواطنين والوافدين، حيث تبدأ فقراته بأنه يجوز و"ما فيها شيء"، لكن يا ويلك من "لكن وإلا"، وإلا هذه علة لأنها تجر الموهوم بالديمقراطية من رحابة سماء النص الدستوري إلى ضيق النص القانوني وقتامته، ومن يرد "الخوض" في هذا الوهم فعليه التحاور مع رجل أمن أو رجل يحمل عقلية رجل الأمن إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، تراه أول الأمر بشوشاً ودوداً، ويزداد الأمر مع مدى التجاوب والانسيابية وربما الليونة في التجاوب مع "تفاسيره" المقدسة للحرية، ورؤيته العميقة لمفاهيمها المخلوطة بعيش التموين ومجانية التعليم والصحة، وكل "النعم" التي وهبت لنا في جنة "العمام"، ولكن ما إن تبدأ الآراء بالتصادم حتى نجد البشوش الودود يتحسس "العصا" المعلقة خلفه.أيها السادة والسيدات، الوضع سيئ نعم، شمعة الأمل تتضاءل أجل، شيء من الأشياء التي أؤمن بها وما زلت هي أن الكويتيين "راسهم يابس وأيبس" من دستور "الأمر الواقع" وسدنته ومشايخه وحماته، والله خير الحافظين، وألف مبروك براءة النائب الدكتور فيصل المسلم الذي مارس دوره الرقابي تحت قبة البرلمان، وحورب حتى أنصفه القضاء النزيه أمس.
مقالات
الأغلبية الصامتة: «راسنا أيبس»
12-06-2014