يبدو أن الأحداث من حولنا منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي باراك أوباما قد تسارعت دون أن نعي نحن الخليجيين ما يحدث خلف الكواليس، فإدارة أوباما وحلفاؤها الرئيسيون أقروا أن الشعوب الأوروبية والأميركيين لن يقاتلوا مرة أخرى في مناطق بعيدة إلا لمواجهة اعتداء مباشر على أراضيهم، وليس دفاعاً عن مصالح يمكن تأمينها بالاعتراف بالقوى الإقليمية الفاعلة وعقد صفقات معها بإعطائها الحق لمد نفوذها على الأضعف منها والتحكم ببعض الأقاليم نيابة عن الغرب وباتفاقات لاقتسام المنافع مع روسيا مقابل تأمين مصالح واشنطن وحلفائها.

Ad

ومن هذا المنطلق أقر أوباما وإدارته وبريطانيا وبتفاهم مع روسيا -رغم التحفظ الفرنسي- "سايكس بيكو" الجديد الذي يوزع النفوذ في الشرق الأوسط الكبير بين الإيرانيين وإسرائيل وتركيا، وما حديث وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل عن إبقاء 35 ألف جندي أميركي في المنطقة إلا كلام في الهواء، لاسيما أن واشنطن تعقد الصفقات مع طهران من خلف ظهور الخليجيين، فسوابق واشنطن تقول إنها غادرت هانوي خلال ساعات تاركةً فيتنام لتسقط في شباك الشيوعية، كما ترك عشرات الألوف من الجنود الأميركيين العراق في أسابيع قليلة ليسقط في أحضان إيران، وما فائدة وجود 35 ألف جندي أميركي بينما تكرس دولة إقليمية وجودها وسطوتها في الخليج العربي وسورية والعراق واليمن ومصالح الدول الخليجية يضيق الخناق حولها، والشعب السوري يمزق إرباً بمذابح يومية والأميركيون يتفرجون؟! بينما يتولى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عملية تدمير مصر اقتصادياً، وتضغط أميركا والغرب ليتولى الإسلام السياسي الحكم فيها حتى يتم تمزيقها كما فعلا بجنوب السودان من قبل، ولإبقائها أيضاً في حالة انشغال داخلي دائم، ثم لتأتي الكارثة الكبرى بعد سنوات بانخفاض كبير ومفاجئ لتدفق مياه النيل، والمخطط بعد ذلك سينتقل إلى المملكة العربية السعودية.

الأوضاع من حولنا تجاوزت موضوع الاتحاد الخليجي الذي أصبح لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، والمطلوب هو الثقة والإحساس الحقيقي بين قيادات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي بأنهم كيان واحد، وهذا –بصدق شديد- لا يمكن أن يحدث وفي النفوس الخليجية "غصات" نتيجة قضايا ملفات الحدود التي تم إقفالها والتوقيع على معاهدات، بعضها بالهيمنة والإحساس بغلبة الآخر على الأضعف، وكذلك قضايا الديمقراطية والأقليات وحرية معتقداتهم وملفات أخرى يجب أن تفتح ويتم حلها بالود وتواضع الكبير قبل أن يخسر الكبير والصغير معاً كل شيء.

أحوال الدول الخليجية رغم البحبوحة المالية حالياً صعبة سياسياً وحتى اقتصادياً، فالنفط الصخري يفعل أفاعيله، وها هي الجزائر ونيجيريا وأنغولا تتوجه إلى أسواقنا في آسيا لتنافسنا عليها بعد أن فقدت أسواقها في أميركا الشمالية، وها نحن ننتظر أحد التنبؤين أن يتحقق؛ أن يصدق كلام أمين عام "أوبك" عبدالله البدري بأن يتراجع إنتاج النفط الصخري في 2018 أو تصدق تقارير المؤسسات الغربية وأوباما بأن يكون الزيت الصخري سبباً في نهاية حقبة تحكم الشرق الأوسط في مصادر الطاقة العالمية، وفي جميع الأحوال فنحن في مأزق سياسي- اقتصادي قد يغير ملامح خرائط المنطقة، وكل المؤشرات تقول إن ما يحدث في سورية من مجازر هو رسائل للخليجيين بأن هذا ما سيحدث لكم لو حدثت المواجهة مع إيران وأغلق طرفا الكماشة عليكم من اليمن والعراق، ولذلك فإن عليكم بعد الانسحاب الأميركي أن يكون لكم حليف إقليمي قوي لن يكون بالطبع إيران، أو تركيا التي ستعزل عن الخليج بالحزام الإيراني الممتد من العراق إلى لبنان... فهل ما يتم من أحداث حولنا هو لدفع الدول الخليجية للالتحاق بتل أبيب؟!