وجدنا ضالتنا في الشيشان وأفغانستان... والرشوة أنقذت الظواهري في داغستان

نشر في 09-03-2014 | 00:10
آخر تحديث 09-03-2014 | 00:10
في السادسة عشرة من عمره انطلق عميل مزدوج سَمّى نفسه، لأسباب أمنية، «رمزي» لتحط أقدامه في الكثير من عوالم الجهاد والاستخبارات التي فتحت أبوابها مشرعة أمام شباب العرب، بدءاً بالحرب في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينيات انتقالاً إلى الشيشان وغيرها من البقاع التي باتت محطاً لأحلام الشباب العربي في رحلة "البحث عن الجنة". لذا كان اقتفاء أثر تلك الرحلة من التجارب المهمة التي تستحق التوقف عندها في حديث العميل المزدوج «رمزي».

يتحدث العميل المزدوج "رمزي" في هذه الحلقة عن "الملل" الذي شعر به بعد انتهاء "الجهاد" البوسني، وكيف ذهب إلى أفغانستان للتدرب في معسكر "أبوروضة السوري" في جلال آباد، ثم انتقل إلى أذربيجان حيث عمل تحت غطاء هيئة إغاثية. يكشف "رمزي" دوره في إنقاذ الدكتور أيمن الظواهري الذي اعتُقل في داغستان لدى محاولته الوصول إلى الشيشان، ويقول إنه دفع 40 ألف دولار رشوة للشرطة الداغستانية التي كانت تريد 100 ألف من دون أن تدري أن الموقوف لديها هو الظواهري. ويتحدث "رمزي" بالتفصيل عن حرب الشيشان ودور قائد المجاهدين هناك "خطّاب" وسعي أسامة بن لادن إلى فتح جبهات جديدة ضد الروس.

سلاح إيراني فاسد

• ذكرت أنك عاصرت خالد بن الشيخ (خالد الشيخ محمد مهندس هجمات 11 سبتمبر 2001) فترة في البوسنة. هل كان يقاتل معكم؟

- مكث معنا ثلاثة أشهر هناك، لم ندرك ماهية دوره، كان مقرباً من قيادات كتيبة المجاهدين. على ما يبدو كان دوره التعرف إلى مواهب المجاهدين، لأنه كان قيادياً من قيادات "الجهاد العالمي". وشقيقه يعقوب بن الشيخ أيضاً كان من قيادات المجاهدين الذين قتلوا في أفغانستان عام 1987 وابن عمه كان رمزي يوسف الذي نفّذ هجوم مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 بشاحنة مفخخة حيث قُتل ستة أشخاص وجرح حوالي ألف. لم يكن خالد بن الشيخ الوحيد، فالعديد من قيادات "القاعدة" المستقبليين كان معنا في البوسنة.

• الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله قال أخيراً إن "حزب الله" شارك أيضاً في القتال في البوسنة والهرسك، هل تذكر ذلك؟

- هذا كلام غير صحيح. قضيت نحو 15 شهراً هناك ولم أرَ أي مقاتل لبناني شيعي ينتمي إلى "حزب الله" هناك.

• ألا يمكن أن يكون قد أرسل "حزب الله" مقاتليه قبل ذهابك إلى البوسنة أو بعد خروجك منها؟

- لا قبل ذهابي ولا بعد خروجي، لم أسمع من المقاتلين هناك عن وجود مقاتلي الحزب أو لبنانيين شيعة في البوسنة. وأنا أُخرجت بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاقية "دايتون"، كما شرحت من قبل. وللأمانة التاريخية كان هناك اثنان من الحرس الثوري (الإيراني) عملا كمستشارَين للجيش البوسني ولم يكونا معنا وقدما مساعدات عسكرية. لكن الأسلحة التي قُدّمت كانت فاسدة وكان الـ"آر بي جي" الذي قدم من إيران معطوباً بسبب عطل الزعانف، إذ تنطلق قذائفه إلى الشمال واليمين ولا تصيب الهدف، بل على العكس كانت تجذب العدو إلى مكاننا لقصفنا. وتستطيع أن تسأل أي مقاتل ممن قاتل في البوسنة عن فساد تلك الأسلحة. حتى الطلقات كانت فاسدة ولا تنطلق. كثير من الشباب قتلوا بسبب فساد السلاح.

• وكيف عرفت أن هذا السلاح الفاسد إيراني؟

- كانت هناك كتابات فارسية عليه وكانت تلك الأسلحة تأتينا من الجيش البوسني (الذي يحصل عليها من إيران).

• كيف انتهى مصير من بقي من المجاهدين العرب في البوسنة؟

- أقاموا مشاريع ومطاعم ومحلات جزارة وتزوجوا، وبعد وفاة علي عزت بيغوفيتش رُفعت الحماية عنهم وتم سحب جنسيات عدد منهم وترحيلهم.

الهبوط إلى الأرض

• كيف شعرت بعد خروجك وعودتك إلى وطنك؟

- رجعت إلى بلدي ومكثت فيه نحو 15 يوماً، شعرت بالملل خلالها. لم أتأقلم في بلدي. شعرت بأنني غريب في وطني. عشت في البوسنة 15 شهراً، وهذه التجربة غيّرتني تماماً. كنت أرى القتل اليومي والدم والمآسي والمجازر. حياة مختلفة تماماً. كيف لي أن أعود إلى الحياة السابقة العادية وإلى الدراسة ولعب كرة القدم والتسوّق والحديث عن السيارات وما إلى ذلك؟ لم استطع التأقلم والعودة إلى حياتي السابقة. شعرت بالفراغ تماماً، وأن هذه الحياة فارغة من أي معنى. البوسنة غيّرتني وغيّرت هويتي. شعرت بأن الحياة السابقة تافهة فارغة من أي معنى وليس لها معنى أو قيمة. شعرت لدى العودة إلى وطني بأنني خرجت من الجنة ونزلت إلى الأرض. شعرت بأن الناس من حولي لا يستطيعون فهمي. كان أصدقائي القدامى يقولون لي إنك تغيّرت وعيونك توحي بأنك في الأربعينيات. أصبحت جدياً وكلامي أكبر من سني. كان عمري 17 عاماً، ولكن شعرت بأنني مختلف وأحمل همّ الأمة والمسلمين والأقليات والثغور الإسلامية. كنت أشعر بأنه يجب عليّ أن أساعد المسلمين والقتال إلى جانبهم.

• تتحدث هنا عن "الجهاد". ما هو هذا الجهاد الحقيقي المستوفي الشروط؟

- هو جهاد المحتلين، والغزاة.

• قبل أن ننتقل إلى الحديث عن تجربتك في أفغانستان، هل تعتبر أن جهاد زملائك ممن قاتلوا ضد السوفيات هناك هو جهاد مستوفٍ للشروط؟

- نعم، مثله مثل الجهاد ضد الصرب، وجهاد الفلسطينيين ضد إسرائيل.

• وماذا عن قتال الأفغان حالياً ضد الأميركيين... هل هو جهاد حق مستوفٍ للشروط؟

- من أحكام الجهاد أيضاً أن تعرف مع مَن تجاهد. لذلك رأيي أن جهاد البوسنة كان جهاد حق لأننا كنا نقاتل تحت إمرة الجيش البوسني. كان هدفنا الدفاع عن أرواح المسلمين العزّل، وفي الوقت نفسه لم نكن كتيبة منفصلة عن الجيش البوسني لأن "كتيبة المجاهدين" كانت ضمن الفيلق السابع المسلم. كان هناك هرم قيادي يصل إلى رئيس الجمهورية. لم نكن مستقلين ولم يكن هدفنا تغيير نمط حياة البوسنيين، لم يكن هناك فرض للحجاب، ولم يكن هناك تحطيم لأماكن بيع الخمور أو عقوبات على المخالفات الشرعية لأنهم كانوا يعتبرون وظيفتهم الأساسية الدفاع عن المسلمين فقط. كانوا دعاة وليسوا قضاة وجلادين. القضية ليست فقط أن تجاهد ضد مَن، ولكن تجاهد مع مَن؟ الجهاد الحق له شرطان: الأول، جهاد عدو غازٍ واضح وصريح، والثاني، الجهاد ضمن منظومة شرعية عليها إجماع من قبل أهل البلد وعلمائه. يجب أن يكون هناك إجماع وهدف واضح وصريح مثل قتال القسّام ضد الإنكليز وقتال الشعب الأفغاني ضد السوفيات. لا تنظر فقط إلى من هو عدوك بل تنظر إلى من هم رفاق السلاح. إذا كان رفاق السلاح من أتباع الفكر التكفيري المتطرف فهذا ليس جهاداً. هل نقوم بقطع رؤوس المدنيين لأنهم فقط مخالفون لآراء المجاهدين؟ هذا يتنافى مع مبدأ الجهاد. رفاق الجهاد والسلاح يجب أن يكونوا شباباً مستنيرين فكرياً بعيدين من التطرف ولديهم حس إنساني من غير تطرف وفرض تفسير متشدد لأحكام الشريعة. لأنهم لو فعلوا غير ذلك لخالفوا قوله تعالى ونصيحته لرسوله (صلى الله عليه وسلم) في سورة آل عمران (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). ألا يتساءل المرء لماذا انفضّ الناس عن "القاعدة" في العراق؟ الجواب لأنهم بدأوا بقطع أصابع من يدخن في محافظة الأنبار والموصل وهذا لم يأمر به الله تعالى لا في القرآن ولا في السنّة.

"سابقة جهادية"

• ماذا فعلت بعد عودتك إلى وطنك؟

- عشت في بلدي نحو أسبوعين، شعرت بالملل وبدأت أفكّر في خياراتي المستقبلية، هل أرجع إلى صفوف الدراسة؟ أم العمل؟ عدم قدرتنا أنا ورفاق السلاح من مجاهدي البوسنة على التأقلم في مجتمعنا دفعنا إلى الالتفاف بعضنا حول بعض والتفكير في ما نفعله. كانت هناك اقتراحات للبحث عن مكان آخر لاستئناف الجهاد. كنا نبحث عن "سوق جديدة للجنة"، كما كنا نطلق عليها في ذلك الوقت. "سوق الجنة في البوسنة" أُغلقت، فهل هناك سوق جديدة؟ "سوق الجنة في الشيشان" أُغلقت أيضاً. كنت أرغب بالذهاب إلى هناك، لكن الروس أغلقوا الحدود في شكل محكم، ووضعوا أربعين ألف جندي على الحدود، كما أن ابن الخطاب قائد المجاهدين هناك لم يكن يقبل أي مجاهد إلا إذا كان لديه مستوى عالٍ من التدريب. تحدثت مع أحد الشباب وأبديت رغبتي في الذهاب إلى افغانستان. تم تزويدي برقم هاتف "أبو سعيد الكردي" مسؤول المضافة في بيشاور للالتحاق بـ "معسكر أبو روضة السوري". حصلت على تأشيرة إلى باكستان ومن ثم سافرت إلى أفغانستان حيث كان "أبو سعيد الكردي" مسؤول المضافة بانتظاري. لم يكن نائب المسؤول الرئيسي "أبو زبيدة الفلسطيني" موجوداً في المضافة حين وصلت اليها. ووظيفة مسؤول المضافة في ذلك الوقت كانت استقبال المجاهدين في مطار بيشاور وتوفير السكن وإجراء المقابلة الودية والتعرف الى خبرات المجاهد وغرضه ونوعية التدريب الذي يرغب في تلقيه وطول المدة التي سيقيم فيها في أفغانستان وخبراته الجهادية السابقة. لأن التعرّف الى الخبرات الجهادية والتعارف والتواصل مع زملائه المجاهدين تسهّل على مسؤول المضافة التعرف الى شخصية القادم الجديد وتعفيه من وضعه تحت المراقبة لمعرفة مدى التزامه الديني ومعرفة إلى أي مدى يشكّل هذا الشخص خطراً على التنظيم والمعسكرات الجهادية. أنا كانت لي سابقة جهادية في البوسنة وتعرّف الكردي إلى زملائي الذين قاتلوا معي في البوسنة مما سهّل لي الأمور. في ذلك الوقت لم أكن عضواً في تنظيم "القاعدة" بل كنت فقط عضواً في ما أسميها "الحركة الجهادية" لأن أسامة بن لادن كان في ذلك الوقت في السودان، وكان ذلك في بداية عام 1996. وبحكم خبرتي الجهادية قصرت مدة إقامتي في المضافة، وبعد ذلك انتقلت عبر بوابة بين باكستان وأفغانسان إلى معسكر أبو روضة في قرية "دورنتا" قرب مدينة جلال آباد. هناك استطلعت الدورات التي كانت تُقدّم مثل دورات الهاون والدبابات وصواريخ غراد والخرائط والكمائن والقتال وقطع خطوط الإمداد وغيرها ومكثت هناك أربعة أشهر من يناير إلى أبريل من عام 1996.

• كم معسكراً كان في أفغانستان خلال تلك الفترة؟

- في منطقة جلال آباد كان هناك معسكران، الأول معسكر الحزب الإسلامي الأفغاني التابع لقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب وكان يُطلق عليه معسكر "أبو روضة السوري" الذي كان يتبع للشباب العرب الذين كانوا يقاتلون مع حكمتيار. وكان الحزب الإسلامي يضم نحو 10 آلاف مقاتل منهم قرابة خمسين مقاتلاً عربياً. حكمتيار كان في حرب مع رئيس أفغانستان برهان الدين رباني ووزير دفاعه أحمد شاه مسعود للسيطرة على كابول. الصراع الداخلي والحرب الأهلية بين الثلاثة دمّرا كابول كلياً. وعلى رغم قلة أعداد المقاتلين العرب في تلك الفترة إلا أنهم كانوا منقسمين على أنفسهم إلى معسكرين. معسكر أبو روضة السوري كان يقع على تلة بجانب السد المائي لجلال آباد وسمّي بذلك على اسم أحد المجاهدين العرب السوريين الذين رفضوا فكرة أسامة بن لادن أن هناك فتنة بين المجاهدين بسبب الصراع بين السياسيين الأفغان. أبو روضة السوري رفض هذه الفكرة وكان يعتقد بأن حكمتيار على حق وأنه يجب الوقوف إلى جانبه. وكان أبو روضة يطلب من الشباب العرب الاستمرار في القتال إلى جانب حكمتيار لأنه كان يعتقد أن حكمتيار سيقيم الدولة الإسلامية وأن رباني ومسعود منافقان. أبو روضة السوري قُتل عام 1993 في المعارك بين قوات الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية. أنا انضممت إلى فريق أبو روضة السوري. المعسكر الثاني في جلال آباد كان لا يبعد أكثر من مئة متر عن معسكر أبو روضة وكان يُسمّى معسكر أبو معاذ الخوستي وهو أردني من أصل فلسطيني، كان مشهوراً بأنه صاحب أكبر شارب في أفغانستان، وهو قُتل كذلك في أواخر عام 1994 في المعارك أيضاً. وبشكل عام كان معسكر أبو روضة في منطقة دورنتا أكبر حجماً وأفضل تمويلاً.

• من كان يموّل تلك المعسكرات؟

- التمويل كان يأتي من أحد السوريين وكان اسمه "أبو رياض السوري"، إضافة إلى تمويل من الجالية الجهادية في أميركا. كان التمويل ما بين 10 إلى 15 ألف دولار شهرياً، وكان مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت في أفغانستان. كما أن التبرعات كانت تأتي أيضاً من منتسبي المعسكر. كل منتسب سابق للمعسكر كان حين يرجع إلى وطنه يرسل معونات وكانت تصل المعونات إلى نحو 50 ألف دولار شهرياً. قائد المعسكر في ذلك الوقت كان محمد نور الجزائري إضافة إلى صلاح الدين المغربي الذي كان أحد أمراء المعسكر وكان مغربياً يحمل الجنسية الأميركية.

أما معسكر أبو معاذ الخوستي فكان أقل تمويلاً، ولكن من ناحية التسليح كانت لديهم دبابة ومدرعة غنموها من الجيش الأفغاني الحكومي. أنا كنت في "معسكر أبو روضة" وعلى رغم أن كلا المعسكرين كانا يقاتلان تحت راية الحزب الإسلامي الموحد إلا أن عدم قدرتهما على الاتفاق على قيادة موحدة دفعهما إلى الانقسام. كان هناك أمران يوحدان المعسكرين، وهما حاجة كليهما إلى الآخر. فحين كان شباب أبو روضة يحتاجون إلى التدريب على الدبابة تي 62 والمدرعة "بي إم بي" الروسية كانوا يذهبون إلى معسكر أبو معاذ الخوستي للتدرب تحت قيادة أبو محجن الجزائري الذي كان يقود المعسكر. وحينما كان يريد شباب أبو معاذ تلقي الدروس الشرعية كانوا يصعدون إلى معسكر أبو روضة للاستفادة والاستماع إلى محاضرات أبو عبدالله المهاجر وهو شيخ مصري مهم.

الطريق إلى الشيشان

آنذاك أحد القادة هناك وهو صلاح الدين المغربي عرض عليّ الذهاب إلى الشيشان، وبالفعل سافرت في أبريل عام 1996 من كراتشي إلى باكو في أذربيجان للانتقال بعد ذلك إلى أراضي الشيشان عبر داغستان. كانت أذربيجان في ذلك الوقت دولة فاشلة بكل معنى الكلمة. وكان هناك شخص اسمه "أبو أنس التونسي" بانتظاري، ولكن بسبب إغلاق الطريق إلى الشيشان عرضوا عليّ الانضمام إليهم في مكتب "مؤسسة الحرمين" لا سيما أنني اتمتع بخبرات إدارية وتنظيمية، وكانت "مؤسسة الحرمين" الخيرية في ذلك الوقت عبارة عن فيلا سكنية (في باكو). وبالمصادفة وجدت هناك ثلاثة من رفاق السلاح من البوسنة أحدهم من الكويت والآخر سعودي اسمه "أبو الشهيد الشرقي" من الدمام قُتل في القصف الأميركي لمعسكر "أنصار الإسلام" في كردستان في مارس 2003 أي في بداية الغزو الأميركي للعراق، وهذا المعسكر كان مقراً لأبومصعب الزرقاوي الذي التقيته مراراً في أفغانستان.

• ماذا كانت مهمة "مكتب شؤون الحرمين"؟

- كانت مهمتنا في مكتب "مؤسسة الحرمين" تلبية طلبات المقاتلين والمجاهدين في الشيشان.

• كيف كانت علاقتكم بالحكومة الأذربيجانية؟

- كانت جيدة وكانت هناك شخصيتان إحداهما أمنية والأخرى سياسية، تزوراننا في مكتب الحرمين وكنّا نسلم كلاً منهما ما بين 30 إلى 40 ألف دولار شهرياً في ظروف مغلقة من أجل أن تغضّا الطرف تماماً عن عملياتنا. المسؤول السياسي كان يتسلّم أربعين ألف دولار والمسؤول الأمني 30 ألفاً.

• كيف كنتم تمولون مشتريات وطلبات المقاتلين الشيشان ومن أين كنتم تحصلون على المواد التموينية التي ترسلونها لهم؟

- من تركيا والسوق المحلية ومن أوروبا.

• هل يُعقل أن أجهزة الاستخبارات الغربية والروسية لم تلحظكم؟

- لا، الـ "كي جي بي" كانت في مرحلة انتقال وفوضى.

الظواهري والمافيا

• كيف كانت علاقة "القاعدة" بالمقاتلين الشيشان وخطّاب؟

- قبل ذهاب بن لادن إلى السودان زارنا أيمن الظواهري في أذربيجان في نهاية شهر 6 من عام 1996. كان الظواهري يرغب بالذهاب إلى الشيشان. كانت هذه المرة الأولى التي ألتقي فيها بالظواهري، وبصراحة لم أعجب بشخصيته، فقد كان مغروراً. بحكم أهميته ومنصبه في "القاعدة" وتنظيم الجهاد الاسلامي المصري قمنا بترتيب اللقاء له مع خطّاب. خطّاب لم يكن متحمساً للقائه أبداً. كانت هناك حساسية شديدة بين المجاهدين المصريين والمجاهدين السعوديين، لم تكن هناك أي مودة بين الطرفين لا سيما تجاه جهاديي القاهرة أو "جهاديي إمبابة" كما كنّا نسميهم. خلال زيارة الظواهري لأذربيجان نسقنا مع الشاب الداغستاني الذي كان يقود شاحناتنا وأعطيناه مبلغ 10 آلاف دولار لرشوة الجنود على الحدود، ولكن في أثناء محاولة الظواهري اجتياز الحدود تم اعتقاله ورفض مسؤول الشرطة أخذ الرشوة.

• هل كان يعرف سجانوه أنه الظواهري؟

- لا، لم يعرف أحد، وحاولنا عدم اعطائه أهمية كبيرة لإخفاء منصبه لأنهم إذا عرفوا أهميته فسيطلبون رشوة أكبر. وبعد مفاوضات مع مركز الشرطة الداغستاني دفعنا 40 ألف دولار بدل 100 ألف دولار لإطلاق سراحه. وإلى أن تمكنا من إطلاق سراحه قضى الظواهري نحو سبعة أسابيع في السجون الداغستانية. خلال تلك الفترة عُزل عن العالم ولم يعرف خلالها أن أسامة بن لادن خرج من السودان. بعد إطلاق سراحه توجه إلى أفغانستان وانضم الى بن لادن هناك. وخلال فترة السجن توطدت علاقة الظواهري بالمافيا الروسية وقيل لنا إنه استطاع عبر علاقاته شراء ثلاث قنابل نووية روسية نُقلت إلى أفغانستان. (سيتحدث "رمزي" في حلقة أخرى عن قصة المزاعم بخصوص "قنابل القاعدة النووية".)

• هل دعم بن لادن الحرب الثانية في الشيشان؟

- نعم، وكان هناك شخص من أتباعه اسمه سيف الدين الغامدي يقوم بمهمة التنسيق بين "القاعدة" وخطّاب. الحرب الأولى للشيشان امتدت من الفترة ما بين 1994 إلى عام 1996 وانتهت بتوقيع الرئيس الشيشاني المؤقت زلم خان يندرباييف اتفاقية سلام مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين بمقتضاها تتمتع الشيشان بحكم ذاتي غير مستقل داخل الاتحاد الروسي. وبعد ذلك نظّمت الانتخابات وفاز بها أصلان مسخادوف. استقر خطّاب في الشيشان وشكّل بالتعاون مع شامل باساييف الهيئات الشرعية واستقطبوا الشباب الداغستانيين ودربوهم وأرسلوهم إلى قتال الجنود الروس في داغستان. بدأوا باستفزاز الروس رغم أن اتفاقية السلام تنص على عدم السماح باستخدام أراضي الشيشان كقاعدة لعمليات عسكرية ضد الروس. تحرشات الداغستانيين القادمين من الشيشان دفعت الروس إلى القيام بحملة عسكرية أمنية قوية ودارت معارك بين الطرفين وحين كان يُهزم الداغستانيون كانوا ينسحبون إلى الأراضي الشيشانية ولكن الروس لم يتبعوهم لخوفهم من شيشان ثانية.

جهاد الشيشان و«المايونيز»

كانت تأتينا في مكتب "مؤسسة الحرمين" طلبات كتب وأجهزة اتصال ومعدات وأغذية وبطانيات، وبطاريات زيت، وفوانيس، وكتب وقرطاسية ومصاحف وأموال. كنا نرسل مئات الآلاف من الدولارات من تبرعات "مؤسسة الحرمين". كان مدير المكتب أردنيا يسمى الشيخ أبوحمزة من طلاب الشيخ الألباني. كان المقاتلون الشيشان بقيادة خطّاب يبتاعون السلاح من الجيش الروسي. وفي ذلك الوقت كان راتب الجندي الروسي 20 دولاراً شهرياً ولكن لعدم امتلاك الحكومة الروسية بقيادة بوريس يلتسين السيولة النقدية لدفع رواتب الجنود كان هؤلاء يتسلمون راتبهم من محاصيل القرنبيط والملفوف وكانوا يبيعون أسلحتهم للمقاتلين المسلمين للحصول على الأموال. روسيا كانت مفلسة أيام يلتسين، وآلاف الجنود الروس قتلوا في الحرب بسبب افتقارهم للتدريب العسكري، وكثيرون كانوا يسلمون أنفسهم للمقاتلين الشيشان من أجل الطعام. كنا نجري عمليات تحرير أشرطة الفيديو والأخبار التي تأتي من خطّاب. كان عصراً ذهبياً لهم، وكانت هناك إنسانية في التعامل مع الأسرى. وبسبب إنسانيتهم والمعاملة الجيدة للأسرى الروس أسلم نحو 20 جندياً روسياً، وكان خطّاب بنفسه يوزّع الملابس على الأسرى. كنا نرتب الطلبات ونجهز الشاحنات التي تعبر الأراضي الداغستانية إلى أراضي الشيشان لعدم وجود حدود مشتركة بين أذربيجان والشيشان، بالتالي يجب أن يكون سائقو الشاحنات داغستانيين. خلال تلك الفترة تعلّمت الروسية التي كنت أتحدثها بطلاقة. كان الطلب الرئيس الذي يطلبه خطّاب هو "المايونيز". كان يعشق "المايونيز" ويطلبه بكميات كبيرة.

خطّاب كان يعتقد أن "المايونيز" مملوء بالبروتينات التي تساعد المجاهدين على القتال والصمود وتحمّل البرد ووعورة الجبال. ولذلك كان المجاهدون في الشيشان يخلطون "المايونيز" بالرز وغيره من غذائهم.

back to top