فجر يوم جديد : عنتر... وبيسة
منذ اللحظة الأولى لظهور عناوين فيلم «عنتر... وبيسة» من تأليف سيد السبكي وإخراج محمد الطحاوي، يخالجك شعور أن ثمة ارتباكاً وارتجالاً ما، وأن الرهان على تحويل: محمد لطفي، هشام إسماعيل وحسن عبد الفتاح إلى ثلاثي كوميدي جديد باء بالفشل؛ بعدما فشل محمد لطفي من قبل أن يكون بطلاً مطلقاً لفيلم «عبده مواسم» (2006)، وعاد إلى قواعده سالماً كممثل «مساعد للبطل» أو مجرد «سنيد» ليس أكثر!في محاولة سخيفة للإضحاك يدبر «عنتر» (محمد لطفي) أكثر من خطة غبية للهرب من السجن، قبل أسبوع من الإفراج عنه، وفي كل مرة ينتهي الأمر بالقبض عليه، ورفيقيه «هندي» (حسن عبد الفتاح) و»فوار «(هشام اسماعيل)، ويُحكم عليهم بالسجن لمدة إضافية، ونعرف أنه ضحية أم قادته إلى طريق السرقة، ويبدو المخرج، ومعه المؤلف، وكأنهما يجتران مشاهد من فيلم «اللي بالي بالك»؛ حيث مؤتمر منظمة حقوق الإنسان، والمأمور العصبي «ماجد آدم» (يوسف عيد) الذي يتلصص على مندوبة المنظمة، ويُفرط المخرج في استخدام اللون البني فلا تعرف إن كان يقدم ذكريات الماضي، عبر «الفلاش باك»، أم يُسرع الخطى للوصول إلى لحظة الإفراج عن «عنتر» ورفيقيه، ووصولهم إلى إحدى الحارات الشعبية في حي القلعة؛ حيث ورشة إصلاح السيارات التي كان يملكها والده (عبد الله مشرف) قبل موته، وعشيقته القديمة «بيسة» (المغنية أمينة)، التي لا تنجب، واختارت، في غيابه، الغناء في أحد الملاهي الليلية، ويبدو بوضوح أن اختيار الملهى الليلي جاء متعمداً، من المؤلف الذي ينتمي لعائلة «السبكي»، لتقديم وصلات رئيسة من الرقص المبتذل لصوفينار، وفواصل لا تنتهي من غناء شعبي رخيص من حمادة الليثي وعبد الباسط حمودة، وكأننا حيال عودة لظاهرة «أفلام المقاولات»!
يعود «عنتر» ورفيقاه إلى السرقة بحجة الانفلات الأمني، وينتهز شريف الوسيمي وشادي محسن الفرصة، ويوظفان «التيمات» الموسيقية العالمية «المسروقة» كفواصل. لكن الفيلم يفوت على نفسه فرصة ذهبية في التأكيد على الروح النقية التي يتمتع بها «عنتر»؛ فهو طيب القلب إلى حد البلاهة، وفاشل في السرقة إلى حد إعادة سيارة إلى صاحبها، بعد إصلاحها، بعد اكتشافه أن صاحبها فقير، ولا يستطيع أن يدفع ثمن استردادها، وهو الأمر الذي يثير حفيظة «هندي» و{فوار»، ويثير الريبة لديهما، ثم يتجلى الشك بصورة أكبر، في أعقاب قيامه بخطف الطفلة «تاليا» (ليلى زاهر) في محاولة لابتزاز والدها رجل الأعمال «هشام الحديدي» (غسان مطر)، وعندما يمتنع رجل الأعمال عن دفع الفدية التي تُقدر بمليون جنيه، لأنها ابنته بالتبني، يقرر «عنتر» و{بيسة» التكفل بتربية الطفلة؛ خصوصا أن «بيسة» لا تنجب، كما عرفنا سابقاً! صحيح أن الافتعال، والتلفيق، وغياب المنطق الدرامي، سمة لأحداث فيلم «عنتر... وبيسة» مذ مشاهده الأولى، لكن الأمور تصل إلى درجة السذاجة، والسماجة، مع قيام رجل الأعمال بإبلاغ الأجهزة الأمنية بأمر ابنته، وتولي الضابط «عزمي المفتح» (شريف باهر) مسؤولية التحقيق؛ فالهزل يبلغ مداه، والكوميديا تتوارى تماماً ليحل مكانها ثقل الدم الذي يتحول، بدوره، إلى عنصرية مقيتة مع قول الطفلة، وهي تصف حزن الخادمة «سوزانا» (إيمان السيد) عليها: «سوداء... بس قلبك أبيض»، ولعل الجملة القبيحة تبرر الأسباب الخفية لظهور إيمان السيد كصاحبة بشرة سوداء في الفيلم!تتواصل الفجاجة مع تكرار طرد نادل المقهى (فاروق أغا) «هندي» و»فوار» لأنهما لا يملكان ثمن المشروبات، وارتياد «عنتر» الملهى الليلي للاستمتاع برقص صوفينار، وإنفاق «بيسة» من «حر مالها» على الطفلة «تاليا»، والاستعانة بـ»المسيو» «ألفونسو» (رضا إدريس) مدرس اللغة الفرنسية للحفاظ على تفوقها الدراسي، ومكافأتها على نجاحها بالذهاب إلى ملاهي الأطفال. لكن لا شيء يبرر العبث الذي نراه على الشاشة؛ فالقول بأن «الأم هي التي ربت وليست التي ولدت» جملة لا محل لها من الإعراب، لأن الطفلة في الأصل لقيطة، والإيحاء بأن «عنتر» يحمل بين ضلوعه قلباً رحيماً سخافة ينسفها أداء محمد لطفي وتكوينه، الذي لا يشي بذرة من الرحمة، ولا تتوافر لديه مقومات النموذج الإنساني الذي ينبغي أن يُقتدى به. أما الربط بين التظاهرات التي اندلعت في مدرسة الطفلة، وبين التظاهرات الثورية التي اجتاحت ميادين مصر سابقاً، وترديد التلامذة الصغار شعار: «شوكولا... عسلية... عدالة مدرسية»، فهو نوع من الصفاقة والوقاحة والتطاول والحشو الذي لا طائل من ورائه! العجيب أن المخرج محمد الطحاوي أراد التلميح إلى أنه يملك موهبة ما في تحريك الصورة (كاميرا محمد عز العرب) وتوظيف المونتاج (غادة عز الدين)، لكنه استجاب لخلطة إنتاجية متخلفة أفقدته القدرة على اختيار النص وطاقم التمثيل، وأصبح مصيره في علم الغيب!