رفضي للاتفاقية الأمنية الخليجية هو رفضي لمزيد من نصوص قانون أمن الدولة، التي يسعى الحقوقيون ومؤسسات المجتمع المدني إلى التخلص منها، والمطالبة بإلغائها لعدم حاجة بلد كالكويت لها، بلد تربى مواطنوه بل ومقيموه على بحبوحة من الحقوق والحريات كفلها لهم الدستور، وتكبيلهم بمزيد من القيود الأمنية يعد إهدارا لتلك الضمانات الدستورية التي جاءت بمنزلة توازن دستوري أراده واضعو الدستور.

Ad

وكما لا يمكن القبول بالمساس بتلك المكتسبات الدستورية لا يمكن القبول بأي أنواع المساومة أو حتى التبرير، حسبما يردد بعض مؤيدي تلك الاتفاقية أن المادة الأولى منها تنص على أن "تتعاون الدول في إطار هذه الاتفاقية وفقا لتشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية"، من أن المقصود هو التزام الكويت ببنودها وفق ما تتفق به تشريعاتها الداخلية، والسؤال الأهم إذا كانت 9 مواد من أصل 20 مادة هي المواد "1 و2 و3 و4 و10 و11 و14 و15 و16" تخالف التشريعات أو حتى الدستور فلماذا إذا يتم الانضمام إليها؟

الأمر الآخر والأهم، وهو الذي يضمن للمواطن والمقيم التزام السلطة التنفيذية بنصوص القوانين، خاصة ان مخالفاتها المستمرة، والتي تعج بها المحاكم، خير دليل على عدم التزامها بنصوص القانون بل والدستور معه، ثم ما هي الجهة في مجلس التعاون الخليجي التي تحكم بين الكويت والدولة طالبة التنفيذ للاتفاقية بأن ذلك الإجراء مخالف للقوانين الكويتية أو الدستور إن كان ذلك بناء على طلب تقدمت به دولة خليجية للكويت لطلب أحد مواطنيها وجه إليه اتهام، ثم إذا كان هناك مواطن كويتي أو مقيم قام بزيارة لإحدى الدول الخليجية، وكان اسم ذلك المواطن من أحد المطلوبين فقامت تلك الدولة بتسليمه للدولة الطالبة لعدم تعارضه مع تشريعاتها، فماذا تفعل الكويت تجاه هذا التصرف؟ هل ستطلب استعادة مواطنها؟ خصوصاً أنه قبض عليه بدولة خليجية وسلم بسبب اتهام دولة أخرى له؟!

والأمر الآخر الذي لا يمكن تصوره هو مشاركة إحدى الدول الخليجية في مرحلة جمع الاستدلالات بإحدى مراحل التحقيق في إحدى القضايا التي سينظرها القضاء الوطني، والتي يستلزم القانون أن يكون مجريها أحد رجال الأمن الوطنيين، علاوة على إفراغه تلك الاستدلالات والتحريات في محاضر التحقيق، بل والشهادة أمام المحاكم إذا تطلب ذلك، فهل سيطلب مجري التحريات الخليجي للتحقيق أو المحكمة أم سيمنح هو الآخر صفة الضبط القضائي؟!

الأمر لا يتوقف على ذلك، بل يمتد إلى إمكانية انتهاك المياه الإقليمية لسماح الاتفاقية بالمطاردات البحرية حتى نقاط الالتقاء، رغم عدم وجود أي نقاط التقاء، وهو ما سيسمح بالتوغل في المياه الإقليمية الداخلية بما يتعارض مع نص المادة الأولى من الدستور.

ثم ما مصير المادة الثانية، التي تسمح بملاحقة الخارجين عن القانون والنظام العام دون أن توضح لنا الاتفاقية ما هو القانون الخليجي أو النظام العام لكل دول الخليج الذي يجب من المخاطبين بالاتفاقية تجنبه؟ وما هو مصير المادة 10 التي تسمح بتدخل قوات دولة خليجية في الشأن الداخلي لوقف الاضطرابات الداخلية ومواجهتها؟!

شخصياً لا أخشى على الكويت من أي أخطار من أي دولة خليجية، فالتاريخ والأحداث أثبتت وقوفها معنا شعوبا وحكومات وأنظمة، لكن التاريخ أثبت أننا شعب له خصوصية منحنا إياها الدستور، ومن حقنا أن نتوجس ونفكر ونحلل النصوص، خصوصاً ونحن في بلد يحكمه القانون والدستور، ونشتكي بشكل يومي من وجود انتهاكات أمنية للإجراءات التي رسمها القانون والدستور، فكيف الأمر إن كانت هناك دول لا تحظى قوانينها وأنظمتها بما تحظى به الكويت من دستور وقوانين وستسلط تشريعاتها الداخلية علينا؟!