تراجع الأسعار يبدد الآمال في الانتعاش

نشر في 15-01-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-01-2014 | 00:01
كان التفاؤل يملأ الأجواء مع بداية 2014؛ كان الانتعاش الاقتصادي الأميركي يبدو نشطاً، وكانت بريطانيا في صحة وعافية، والصين تعاني تباطؤا فقط، ولم تقع في هوة الركود الذي كان الناس يخشونه منذ زمن طويل.

في زمن النمو، أكثر ما تخشاه الأسواق بطبيعة الحال هو أن تعمل الضغوط الانكماشية على إجبار البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة قبل الجدول الزمني الذي أعطت خطوطه العامة. وفي الأسابيع الأخيرة ارتفعت الضغوط التضخمية، بحسب مقياس سوق السندات الأميركية، إلى أعلى مستوى لها منذ مايو 2013. وحتى لو بقيت عند 2.3 في المئة على مدى السنوات العشر المقبلة، فإنها ستكون واقعة تماماً ضمن نطاق التحمل لدى الاحتياطي الفدرالي، وهذا أظهر أن تفكير السوق كان يتحرك باتجاه التضخم.

الضغط الانكماشي

كانت هناك دائماً مشكلة بخصوص هذا التفاؤل. وأعني بها الدليل المتوافر على الضغط الانكماشي. وتستهدف مصارف جميع البلدان المتقدمة أن يكون التضخم في حدود 2 في المئة. وكادت بريطانيا تصل إلى هذا الهدف الآن، في حين أن البلدان الأخرى دونه. وتختلف اليابان في أن لديها تضخماً متزايداً، انطلاقاً من قاعدة متدنية بصورة مؤلمة. وفي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، التضخم في طور الهبوط، ويقترب من المستويات التي يمكن أن تجعل المصارف المركزية ترغب في دفعه إلى أعلى.

المفروض أن الأمر لم يكن يحتاج إلى بيانات الأمس عن الوظائف في القطاعات غير الزراعية التي صدمت السوق، على أساس أن التوقعات كانت تشير إلى ارتفاع الوظائف بمقدار 200 ألف وظيفة جديدة في ديسمبر، لكن الزيادة كانت 74 ألف وظيفة فقط، ليتبين أن الانكماش الاقتصادي لايزال مصدراً لمخاوف فعلية.

خفض أسعار الفائدة

ويوم الخميس شعر رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، بالحاجة إلى أن يؤكد «بقوة» أنه سيُبقي أسعار الفائدة منخفضة «طالما كان ذلك ضرورياً»، وأن يعيد قوله إنه يتوقع «بصورة حاسمة» أن تظل أسعار الفائدة عند المستوى الذي هي عليه، أو أدنى من ذلك «لفترة طويلة من الزمن». ومن الناحية التقليدية يعتبر البنك المركزي الأوروبي من «الصقور» فيما يتعلق بالتضخم، أكثر من غيره من البنوك المركزية الكبيرة. ولم يكن دراجي ليقول ما قال لولا أنه كان يشعر بالقلق من الانكماش.

وكان هذا جنباً إلى جنب مع نشر محضر اجتماع ديسمبر في الاحتياطي الفدرالي، الذي اتخذ فيه قرار تقليص مبالغ التحفيز التي كان يعطيها الأسواق. وكان عدد الكلمات في المحضر ثمانية آلاف كلمة، لكنها لم تشتمل على كلمة الانكماش نهائياً. والبنك الذي كان في منتهى النشاط للتصدي للانكماش، يأمل الآن أن يتمكن من الاستمرار في تشديد السياسة النقدية.

ثم وصلت بيانات الوظائف ودفعت بالعوائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 2.9 في المئة، بعدما بدأت العام بمستوى يزيد قليلاً على 3 في المئة. وكون هذه النتيجة تسبب صدمة بالغة، فهذا أمر قابل للأخذ والرد. ومع أن الطقس يُعَد في الغالب عذراً ضعيفاً في تفسير البيانات الاقتصادية الهزيلة، إلا أنه لعب دورا هذه المرة. وطالما أن شلالات نياجارا تجمدت، فلا بد أن يكون الطقس سيئاً بما فيه الكفاية ليعكر صفو النشاط الاقتصادي عند البشر.

تصدير الانكماش

وعلى أي حال، لاتزال أكبر مخاطر الانكماش خارج نطاق الولايات المتحدة. لكن من الممكن أن تعمل اليابان، حيث أفلح برنامج آبي الاقتصادي في دفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 2008، على «تصدير الانكماش» عمليا. فمع تراجع سعر الين وتراجع أسعار الصادرات اليابانية، ستعاني البلدان الأخرى انكماشا في الوقت الذي يشتد فيه ساعد التضخم في اليابان.

كذلك تشير أسعار السلع إلى أن النمو العالمي لايزال واهياً. فقد تراجعت أسعار المعادن إلى نحو 39 في المئة من ذروتها الأخيرة في 2011. وهنا مصدر الانكماش هو الصين التي كانت لعدة سنوات المشتري الهامشي للسلع، خصوصاً المعادن الصناعية. وفي الوقت الذي يتباطأ فيه النمو في الصين، وتحاول قيادتها تحقيق التحول من اقتصاد مدفوع بالاستثمار إلى اقتصاد مدفوع بالاستهلاك، فإن الطلب على السلع سيتراجع بالتالي. وتراجع أسعار السلع يعني تراجع معدلات التضخم.

إذن، ما الذي يدعو الانكماش إلى أن يكون مشكلة كبيرة إلى هذه الدرجة؟ في العادة يعتبر التضخم الذي يجعل من الصعب على الأسر موازنة دخلها ومصروفاتها، أكبر خطر. لكن المشكلة في الانكماش في المرحلة الحالية هي أنه يجعل أي كومة من الديون على عاتق المدينين أعلى تكلفة بكثير من حيث تسديدها.

التخلص من الديون

بالتالي، التضخم هو أقل الطرق السياسية إيلاماً لكي تختفي الكومة الكبيرة من الديون. وهذا يساعدنا على تفسير الحماسة التي تتسم بها جهود الاحتياطي الفدرالي والمصارف المركزية الأخرى في دفعه إلى الأعلى. وفي أعقاب أزمة الائتمان، الانكماش آخر ما يرغب فيه أي شخص.

وينطبق هذا بصورة خاصة على منطقة اليورو. فبسبب أزمة السندات السيادية، لم تحقق بلدان أوروبا تقدماً يذكر في التخلص من أكوام الديون الواقعة على عاتقها. لكن حين يكون الاقتصاد بلا روح، بفضل حملات التقشف الحكومية إلى حد ما، التي تبنتها الحكومات لتعزيز الثقة في سنداتها السيادية، فإن خطر الانكماش في منطقة اليورو حاد بالأصل.

وسيكون وجود التضخم هو الأفضل. والمستثمرون الذين كانوا «يشعرون بالقلق» من التضخم يجدر بهم أن يدركوا أنهم كانوا في الواقع يتمنون أمراً لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

من الممكن أن تقنع الضغوط التضخمية الناتجة عن الأموال السهلة وانتعاش الاقتصاد الأميركي الناس بصوابها – لكن تقرير الوظائف الأميركية الفاتر يبين وضوح أن هذا أمر يجدر بنا أن نرجو حدوثه، لا أن نخشاه.

* فايننشال تايمز

back to top