التكتل الاحتكاري

Ad

في الوقت الذي يوشك فيه المنظمون المختصون بمكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي على فرض غرامة ضخمة تصل إلى خمسة مليارات يورو على مجموعة من المصارف، لتشغيلها كتلة احتكارية تعمل في التلاعب بأسعار الفائدة المرجعية العالمية، تشعر المصارف بالقلق حول مضامين مكافحة الاحتكار بالنسبة للتحقيقات الجارية حول العملات الأجنبية. وحقيقة إن بعض المتداولين كانوا في مجموعة اسمها ''التكتل الاحتكاري'' لا تساعد المصارف، لكن بعضهم يقول ''إن المضامين أوسع نطاقاً. فالمستثمرون بدأوا منذ الآن في إقامة قضايا مدنية ضد المصارف، وهناك أسئلة تثار حول العملات وأنواع التثبيت الأخرى''.

ويشير متداولو العملات إلى ''تثبيتات طوكيو''، وهي المؤشرات المرجعية، مثل الليبور، التي تستخدم على نطاق واسع من قبل شركات تقوم على تقديم بيانات من المصارف، بدلاً من التعاملات الفعلية. ويقولون ''إن الأسعار تُنشَر على حدة من قبل مصارف تعتبر مشبوهة منذ فترة طويلة. وفي الغالب تنشأ تعاملات الين مقابل الدولار قبل موعد تحديد الأسعار في الساعة 9:55 صباحاً، خصوصاً في الأيام التي يريد فيها كثير من شركات الاستيراد شراء الدولارات لتسوية العقود''.

وربما تكون هذه التحقيقات علامة النهاية لأسواق العملات الأجنبية غير الخاضعة للتنظيم، حيث يتوقع أهل الصناعة فرض قواعد وإجراءات أكثر تشدداً تؤدي إلى نهاية العالم المتكتم للتداولات الصوتية الفورية على الهاتف. ومن الممكن أن يتم التعجيل بالتوجه نحو متداولين إلكترونيين برواتب أقل.

ويقول المدير الاستثماري الرفيع ''أخذ العملاء يستيقظون الآن. قال بعض مديري الأصول في الأسابيع الأخيرة إنهم لم يعودوا يرغبون في التداول بحسب تحديد WM''.

لسنوات عديدة كانت الأصوات المتنافرة في عالم غرف الدردشة الخاصة بمتداولي العملات الأجنبية تنتشر فيها التلميحات بطلب المشروبات والمخدرات والنساء، لكن فجأة في ربيع عام 2012 أصبح النقاش أثناء الدردشات الخاصة على شاشات بلومبيرغ أكثر جدية من قبل.

كانت الأحاديث تتركز حول اجتماع لجنة تضم مجموعة من أرفع المتداولين في العملات في الحي المالي في لندن ونظرائهم في بنك إنكلترا. وقال أشخاص مطلعون على ما يدور بين المصارف في غرف الدردشة ''إن المتداولين مستاؤون من الشائعات التي تقول إن ممثلي مصرف إنكلترا، في اجتماع عقدوه في أبريل، ربما أثاروا مخاوف من إمكانية حدوث تلاعب في العمليات اليومية لتحديد أسعار العملات''.

ومع أن دردشة أولئك المتداولين لم تكن منسجمة مع وقائع الاجتماع، إلا أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يثير فيها المنظمون بالتحديد هذه القضية في السنتين الأخيرتين. وبحسب أحد أعضاء مجلس بنك إنكلترا، المنظمون سألوا كبار المتداولين في العملات في مناسبات عدة عن إمكانية التلاعب من خلال ''التحديد'' اليومي لأسعار العملات، لكن المتداولين قللوا باستمرار من مخاوفهم.

أما اليوم فلم يَعُد هناك مجال لطمأنتهم، إذ أوقف عن العمل 12 متداولاً على الأقل في العملات الأجنبية في مصارف عالمية موجودة في لندن ونيويورك وطوكيو، وسط أنباء عن وجود استفسارات عديدة من منظمين، ومن الداخل، حول إمكانية حدوث تلاعب وتواطؤ في أسواق العملات الأجنبية التي تبيع وتشتري ما يقارب 5.3 تريليون دولار يومياً. ثلاثة من هؤلاء المتداولين – ريتشارد أشر، وروحان رامشانداني، ونول أو ريودان – هم أعضاء في المجموعة الفرعية التي تضم كبار المتداولين.

والآن تجري الأجهزة التنظيمية في بريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة، بمساعدة من السلطات في هونغ كونغ، تحقيقا مع 15 مصرفاً على الأقل، بما فيها باركليز وسيتي غروب ودويتشه بانك وغولدمان ساكس وجيه بي مورغان ومورغان ستانلي ورويال بانك أوف أسكتلند وستاندار تشارتر ويو بي إس. وشرعت هذه المصارف، وعدد من المصارف الأخرى، في مراجعات داخلية. كذلك بدأت المفوضية الأوروبية تحقيقات أولية في مكافحة الاحتكار.

وأضيفت هذه التحريات العالمية المتوسعة إلى تحقيقات أخرى تحولت إلى البحث في عمليات تلاعب هائلة متعلقة بالأسعار المرجعية – تراوح بين أسعار الفائدة بين المصاف ''ليبور'' إلى عقود التأمين على أسعار الفائدة في إسدافيكس وأسواق النفط الفورية – الأمر الذي أضَرَّ بأرباح المصارف وسمعتها وكلفها كثيرا من سمعتها السياسية. ويخشى مصرفيون ومحامون ومستثمرون من أن التحقيق في المقاييس المرجعية ربما يصبح واحداً من أكبر التعقيدات القانونية الضارة بهذا القطاع.

ويقع ما يستهدفه المنظمون من تحقيقات في قلب النظام المالي العالمي، وتُعتبر أسواق العملات الأجنبية من أكبر الأسواق المالية العالمية، وهي أسواق يستخدمها عدد هائل من الشركات والمستثمرون المؤسسون ومستثمرو التجزئة والمصارف المركزية. وهي كذلك من أقل مجالات التداول خضوعاً للتنظيم.

وقال محامٍ على علاقة بالتحقيقات: ''هذا المجال من الناحية العملية غير خاضع للالتزام. لا تكاد توجد أي قواعد أو إشراف''. ويصر المتداولون على أن هناك قواعد، لكنهم يعترفون بأن كثيراً من النقاط الدقيقة يحوطها الغموض.

وعلى الرغم من الحجم الضخم لسوق العملات الأجنبية، إلا أنها تدار من قبل مجموعة صغيرة من المتداولين العالميين. وإحدى زوايا العملات الأجنبية – سوق الأسعار الفورية التي تبلغ قيمتها تريليوني دولار – تسيطر عليها مجموعة من المتداولين يقل عددهم عن 100 شخص في حفنة من المصارف الكبيرة.

وتحقق الأجهزة التنظيمية الآن في ما إذا كان أعضاء من هذه الشبكة يستخدمون قوتهم المشتركة في السوق في محاولة للتلاعب بالأسعار لمصالحهم – ما يؤدي إلى تكاليف أعلى بالنسبة للتعاملات البسيطة للعملاء من قبيل صناديق التحوط.

وتركز التحقيقات حتى الآن على أكثر العملات سيولة في العالم، حيث تخضع سوق اليورو – الدولار، التي تشكل ربع السوق الفورية تقريباً، لتحقيق خاص، وفقاً لشخصين على اطلاع بالتحقيقات الداخلية. وتطال التحقيقات أيضاً الاسترليني والدولار الأسترالي والعملات الاسكندنافية الأقل سيولة.

وتشير مقابلات مع أكثر من عشرة أشخاص من المخضرمين في العملات الأجنبية والمستثمرين إلى أن التغييرات الأخيرة في هيكل أعمال المصارف تزيد من حوافز وفرص التواطؤ.

وتمكنت أكبر أربعة مصارف تتعامل في العملات الأجنبية – وهي دويتشه بانك وسيتي غروب وباركليز ويو بي إس – من تجميع أكثر من نصف حصة السوق، بعد أن كانت حصتها قبل 15 سنة أقل من 20 في المئة.

فضلاً عن ذلك، تقليص الوظائف في فترة ما بعد الأزمة يعني أن مكاتب التداول الفوري في العملات الأجنبية، حتى في أكبر المصارف، يعمل فيها عادة ما بين ثمانية إلى عشرة متداولين فقط، معظمهم من الذين عملوا سابقاً مع زملاء في مصارف أخرى. وقال مصرفي كان يعمل سابقاً في قسم الدخل الثابت لدى ''سيتي جروب''، ''هذه سوق يمكن بالفعل أن ينجح فيها التواطؤ والتلاعب بالأسعار''.

وجزء كبير من تداولات العملات الأجنبية في السوق الفورية لا يزال يقوم به المتداولون بالطريقة القديمة، وهي الصوت، حيث يتعاملون مع العملاء عن طريق الهاتف. ويغلب على المتداولين في مكاتب أخرى أن يعتبروا العملات الأجنبية سوقا معزولة جامدة، تشكل جزءاً مملاً لا يتطلب أي ذكاء.

لكن المنافسة المتزايدة بين المصارف منذ الأزمة المالية أشعلت فتيل حرب شرسة على المواهب في جيل جديد من المتداولين الذين يعمل معظمهم في تعاملات الصرف الفورية في لندن، حيث يتلقى المتداولون النجوم رواتب تصل إلى مليوني دولار.

كذلك أدت المنافسة إلى تآكل الفروق بين الأسعار – غالباً إلى مستوى جزء من نقطة أساس – التي تعرض للزبائن الذين يضعون أوامر شراء كبيرة. وبالنظر إلى أن هذا هو المصدر الوحيد لدخل المصارف من العملاء في مجال العملات الأجنبية، فربما كان ذلك سبباً في تشجيع المتداولين على اتباع طرق تفتقر إلى الشفافية لتقليص مخاطرهم.

ويجادل بعضهم بأن العملات الأجنبية هي تداول للمنافع، وتعتبر أساسية لصناديق التقاعد والشركات الكبيرة في تعاملاتها اليومية، لكنها ليست من النوع الذي يتطلب المهارات التي تتطلبها الأنواع الأخرى من التداولات المجزية. ويقول مختصون آخرون ''إن على المصارف التحول إلى أنموذج قائم على الرسوم في تداولات العملات''.

وكما هو الحال مع فضيحة الليبور، تركز الاتهامات على مجموعة أخرى من المؤشرات المرجعية. وفي سوق العملات الأجنبية، يعتبر المرجع المحوري هو سعر WM/Reuters في الرابعة عصراً. والصناديق المشتركة الكبيرة في مختلف أنحاء العالم تتداول بالعملات بالسعر المثبت، وهو سعر يومي يتم تحديده من قبل المتداولين خلال نافذة زمنية مدتها 60 ثانية. ومع أن العملاء يدركون أن هذا يعطي وكلاءهم ميزة معلوماتية، إلا أنهم لا يريدون أن يكونوا في حالة شذوذ على تقييم سعر الصرف في محافظهم، المبني أيضاً على السعر المثبت.

(فايننشال تايمز)

السؤال الأساسي

السؤال الأساسي الآن هو ما إذا كانت الأجهزة التنظيمية ستُكرِه المصارف على إحداث تغييرات شاملة في أعمالها في المبيعات والتداول. ويقول مستشار رفيع ''هل سيكون هناك مزيد من الأنظمة للتداول نتيجة لذلك؟ أعتقد أن الفرصة هي 99 إلى 1''.

اتهامات

تبحث الأجهزة التنظيمية الآن في اتهامات بأن المتداولين ربما كانوا يستخدمون غرف الدردشة للحصول على فكرة عن الحركات الإجمالية للطلبات، ثم يستخدمون هذه المعلومات للدخول في تعاملات بالضبط قبيل موعد التثبيت وأثناءه. وحين يشتري المتداول ويبيع عملة قبل موعد التثبيت، يمكنه محاولة التأثير على سعر التثبيت النهائي من أجل أن يتربح من النطاق الكامل لطلبات العملاء الذين يعمل على معاملاتهم في ذلك اليوم. وحين يتم تثبيت السعر، ينتهي المطاف ببعض العملاء بالانتفاع على نحو ينسجم مع المتداول، في حين يخسر الآخرون.

وفي حين أن التواطؤ مخالف للقانون، يقول محامون: إن من غير الواضح اعتبار ''الشراء المسبق'' أو ''التحوط المسبق'' بمثابة استغلال إجرامي للسوق، أو مجرد مخالفة، أو حتى مخالف للقانون أصلاً.

ويقول تنفيذي في أحد المصارف اتصل به المنظمون: ''إذا أراد العملاء فعلاً أسعاراً عالية، فعليهم أن يتوقعوا من المصارف أن تقوم بالتحوط المسبق. القضية هي ما إذا كان هذا الأمر يُناقَش بين المصارف أم لا''. ويقول موظف سابق في ''سيتي بانك''، ''إن اقتسام المعلومات كان تطوراً ''طبيعيا''، مضيفا: ''نعم. إنه تواطؤ، لكنه في كثير من الجوانب يعتبر أيضاً إدارة للمخاطر''.

لكن محامين وأناسا مطلعين على التحقيقات الداخلية يرون أن وجود غرف الدردشة، في أعقاب فضيحة الليبور، ربما يكون قضية في حد ذاتها. ويقول شخص على علاقة بالتحقيق الداخلي في أحد المصارف الكبيرة: ''بعد فضيحة الليبور لا يزال هؤلاء الحمقى يستخدمون غرف الدردشة. كيف ظنوا أن بإمكانهم أن يفلتوا من ذلك؟ هذا أمر يحير الأفهام''.

ويضيف محامٍ على علم بالتحقيقات: ''تقريباً كل شيء تجري مناقشته حول التداولات الفردية يعتبر إشكالياً من منظور التنافس''.