هكذا أسدل القدر ستاره على حياة الفنان العراقي الكبير والمطرب المتميز فؤاد سالم، ليفارق الحياة عن عمر يناهز 68 عاماً، وهو يحلم بعودته إلى أرض الوطن، لكن القدر لم يمهله لتحقيق ذلك الحلم.

Ad

فؤاد سالم تحديداً كان يحمل في قلبه ركناً مليئاً بحبه للكويت وأرضها، ولما لا وقد احتضنته وقتما كان يحارب النظام البائد ويقف ضد دكتاتوريته، وبعدما أعلن النظام مطاردته كي يتم إعدامه فر هارباً إلى الكويت التي فتحت له قلبها قبل ذراعيها وعاش على أرضها وغنّى الكثير من أعماله الناجحة التي ولدت على ضفاف الخليج، لذا شكلت الكويت جزءاً مهماً في حياته وانتشاره فنياً، إلا أن النظام استمر في مطاردته حتى غادر فؤاد سالم الكويت عام 1986، وذهب إلى الإمارات العربية المتحدة وبقي هناك، وعندما غزا صدام وأعوانه الكويت غضب فؤاد وقرر الذهاب إلى المملكة العربية السعودية لمحاربة ذلك النظام من هناك من خلال إنشائه إذاعة معارضة تبث برامجها من مدينة جدة، ثم سافر إلى سورية وبقي هناك واستمر في التنقل ما بين سورية حيث أهله وأسرته وأولاده وبين الولايات المتحدة الأميركية حيث أخذ يغني ويشعل المسارح بأغانيه الجميلة المفعمة بالحب والأمل في العودة إلى أرض الوطن، ومع ألم الفراق ووفاة والدته في العراق دون أن يراها تعب قلبه ومرض فأجرى عملية جراحية في بريطانيا ثم أكمل مسيرته ومحاربته للنظام في العراق من خلال لقاءاته الفنية عبر الصحف والمجلات والمقابلات التلفزيونية، وكذلك من خلال أغنياته حتى تحقق الحلم، وسقط الصنم في بغداد فقرر العودة إلى موطنه وأهله ومدينته الحبيبة «البصرة» التي كان يحملها في قلبه أينما يذهب، وكان أول بلد وطئت قدمه هي الكويت التي أعاد من خلال هذه الزيارة ذكرياته الجميلة ولقاءاته مع أحبابه وأصدقائه الذين كانوا على تواصل دائم معه، فهو صوتهم المحبب وصديقهم الوفي الذي يذكر في كل مقام ومقال دور الكويت في حياته الفنية ونجاحاته، ثم دخل البصرة عن طريق الكويت وقبل تراب مدينته وذهب لزيارة قبر والدته التي حال النظام البائد دون رؤيتها قبل وفاتها، ثم ذهب إلى بغداد وأقام حفلاً كبيراً جداً على خشبة المسرح الوطني، وحضره جمهوره المتعطش لفنه ولغنائه، وكان لقاء يشبه لقاء المحبوب بمعشوقته التي طالما انتظر يوم لقائه بها، فأخذ يغني وهو يكفك دموع الفرح لأنه يغني من جديد في بغداد وإلى بغداد هذا العشق السرمدي... ولكن سرعان ما تحطم هذا الفرح وهذا الأمل في أن يساهم من جديد في بناء فن عراقي أصيل من خلال تدريس الطلبة والموهوبين الغناء وتدريبهم من خلال معهد متخصص، لأنه وجد الجيل الجديد من الشباب العراقيين يتغنون بأغنياته القديمة التي لم يحضرها، وهذا ما شجعه على تلك الفكرة إلا أن الإرهاب والتكفيريين كانوا بالمرصاد لكل ما هو جميل ورائع فازدادت وتيرة القتل لتشمل كل شيء، لذا قرر فؤاد سالم العودة إلى سورية من جديد والمتابعة عن كثب للأحداث الجارية في الوطن على أمل أن تنتهي ويعود مجدداً، لكن القلب والجسد بدآ في الإنهاك والتعب فتزايدت الآلام عليه من كل جانب، ولم يعد قادراً على الحركة فبقي مستلقياً على سريره يتابع الأحداث وسط آلامه ومعاناته المريرة، فالقلب ينزف ألماً لما يحدث في وطنه، والأوجاع والآلام تتزايد حتى امتدت إليه يد القدر لتنهي حياته التي كانت عبارة عن ترحال دائم بين المنافي... ولسان حاله يقول «راح العمر وانقضى ريشة على جاري الماي» كما كان يرددها في إحدى أغنياته، وكانت وصيته التي قالها لأصدقائه في الكويت ومحبيه: «عندما أموت ويتم تشييع جثماني أرجو أن ترددوا هذه الأغنية».

وهكذا رحل فؤاد وبقيت الأفئدة تردد أجمل أغنياته أمثال «يابو بلم عالشاري، حجيك مطر صيف، مشكورة، يا سوار الذهب، حبينا ضي القمر» وأغنيات أخرى كثيرة.