قال مراقبون في بيروت، في معرض قراءتهم للعملية الانتحارية المزدوجة التي استهدفت السفارة الإيرانية في ضاحية بئر حسن – الجناح، أمس الاول، إن لبنان شهد في تاريخه الحديث ثلاثة عمليات مماثلة:

Ad

1- الأولى في 11/ 11/ 1982 عندما استهدف الانتحاري اللبناني أحمد قصير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور بسيارة مرسيدس مفخخة بمئتي كيلوغرام من المتفجرات.

2- الثانية في 23/10/ 1983 عندما استهدف انتحاريان يقودان شاحنتين مفخختين مقري المارينز الاميركي والمظليين الفرنسي في بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي.

3- الثالثة في عام 2005 عندما اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري بشاحنة مفخخة يقودها انتحاري في منطقة السان جورج على ساحل بيروت الجنوبي.

وفي قراءة المتابعين لتطورات الوضع اللبناني فإن العمليات الثلاث شكلت منعطفا في تطورات الوضع اللبناني انعكاسا لمعادلات إقليمية ودولية.

في عام 1982 شكلت عملية صور الانتحارية انطلاق العمليات "غير التقليدية" في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان التي استمرت أكثر من ثمانية عشر عاما. 

وفي عام 1983 أدت العمليتان الانتحاريتان الى انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان. وشكل الانسحاب العسكري الغربي من لبنان مؤشرا الى رفع الغطاء الغربي عن لبنان الذي دخل نتيجة لذلك في صراع إقليمي سوري – إيراني من جهة وإسرائيلي من جهة مقابلة.

وفي عام 2005 أطلقت العملية الانتحارية التي نجحت في اغتيال الرئيس الراحل للحكومة رفيق الحريري "ثورة" ضد الاحتلال السوري للبنان انتهت بانسحاب الجيش السوري من لبنان في مايو 2005. لكن نظام الرئيس السوري بشار الأسد عمل بالتعاون مع إيران على استكمال المواجهة في لبنان من خلال حزب الله.

وفي حين بدا للوهلة الأولى أن مظلة عربية – دولية تحمي الواقع الجديد الذي أحدثته "ثورة الأرز" و"انتفاضة الاستقلال" في لبنان، تبين مع الوقت أن نظام الأسد وإيران تمكنا من التقاط الأنفاس وشن "هجوم مضاد" أدى مع تغيير إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، الى إعادة الإمساك تباعا بكثير من مفاصل الحياة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية في لبنان.

وانطلاقا من هذه المقاربة يرى المراقبون أن تفجيري السفارة الإيرانية أمس الاول يؤشران الى انطلاق مرحلة جديدة في لبنان أساسها صراع إقليمي مكشوف بين تحالف النظام السوري وإيران وحزب الله من جهة، والمعادين لهذا التحالف من جهة مقابلة.

وتتخوف جهات دبلوماسية عربية وغربية في بيروت من أن يؤدي انكشاف الوضع اللبناني دوليا في ظل المرحلة الضبابية التي تعتري السياسات الدولية في انتظار ما سترسو عليه المفاوضات الأميركية – الروسية في شأن تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط والخريطة السياسية التي سترسو عليها دولها من جهة، والمفاوضات الغربية – الإيرانية في شأن الملف النووي الإيراني وبالتالي في شأن نفوذ إيران الإقليمي من جهة أخرى، الى استباحة الساحة اللبنانية أمنيا على نحو يحاول من خلاله أفرقاء المواجهة الإقليميون تعزيز أوراقهم في المفاوضات على حساب لبنان ونظامه السياسي وأهله ومصالحهم الحيوية وحياتهم وأمنهم واستقرارهم ولقمة عيشهم.