اسم هيا الفهد غير معروف في وسط الإبداع الكويتي، لكني اقتنيت الكتاب بعد تردد، والسبب عثوري عليه في إحدى المكتبات. في البداية أحجمت بتعمد عن الشراء لسعره الباهظ بالنسبة إلى مجموعة قصصية في كتاب صغير الحجم ولاسم جديد، إنما بعد أسبوعين وجدته أمامي، مرة أخرى، على رف المكتبة نفسها، فقلت: لماذا لا أقتنيه لأعرف مضمونه وهل يستحق ذلك السعر؟

Ad

صدر الكتاب سنة 2010 ويضمّ 17 قصة قصيرة تقع في 223 صفحة من القطع الصغير. يبدو أن الكاتبة هيا الفهد تملك خبرة حياتية، فهي تعمل في المجال التربوي، ولها مساهمات صحافية، ويتضح ذلك من مضمون القصص، والإهداء في مقدمة الكتاب: «إلى كل من حرّك الخيال لدي فكتبت قصة».

قبلة الحياة

بدا نوع القصة القصيرة الإبداعي مهمشاً في العقود الأخيرة، واستمر  تحت عباءة الرواية أو كاد يضمحل في العقد الأخير، فيما كان فن القصة القصيرة، عالمياً،  أكثر شعبية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم تراجع بشكل مخيف أمام الرواية، في العقود الأخيرة، وهذا ملاحظ حتى في عالمنا العربي، إلا أن قبلة الحياة منحت لها أخيراً بعد فوز كاتبة القصة القصيرة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب (2013)، ما أثار الدهشة لدي الجميع.

عدسة هيا

عندما تبحر في كتاب هيا الفهد تكتشف أنها تجيد فن كتابة القصة القصيرة، ولم تخرج عن الأصول المتعارف عليها، بل قدمت قصة الحدث، بمعنى أنها تقدم لك قصة واضحة المعالم، تحمل مضموناً اجتماعياً واضحاً وليس تقريرياً، ولم تجنح إلى أن ترسم لك نصاً سريالياً، تحاول أن تجعلك تفك طلاسم حروفه. هيا هي ابنة مجتمعها، وأنت تقرأ ما كتبت تشعر أنها تحمل الهمّ الاجتماعي الأنثوي بامتياز ولو كان ثمة تحامل منها على الجنس الآخر الذكوري.

حملت الكاتبة، في مجموعتها، كاميرا وصوّرت بعدستها مواقف إنسانية بين جدران مجتمعها ومنازله وغرفه ومكاتبه وأسواقه، قصصاً يدفعك بعض نهاياتها إلى حد البكاء، عبر حروف لم تقدم صورة جامدة نمطية تتلمس ملامحها في ألبوم صور، إنما عبر حروف وكلمات رسمت مشاعر وآهات أفراد يعيشون بيننا، آلامهم محبوسة في صدورهم يعجزون عن الإعلان عنها.

للكاتبة إصداران بعد هذا الكتاب «جسد مهجور» و{رجل قتلته النساء»، لم يحالفنا الحظ بالإطلاع عليهما، لكن كتابها الذي نعرض له يدل على أنها كاتبة قصة قصيرة متميزة، تسيطر على أدوات السرد ولا تجنح كثيراً، فلا تطويل ولا تكلّف ولا استعراض جمل لا معنى لها، ذلك كله يجنّب  المتلقي الملل.

انبهار وصدمة

رغم أن أغلب القصص تدور في فلك المجتمع الكويتي، وتستعرض ملامح حياتنا الأسرية الكويتية من زواج وطلاق وهجر وإخفاق، ورغم أن ثمة ملامح مؤسفة فإنها تقع في حياتنا وفي أي مجتمع آخر، وقد وضعت الكاتبة تلك الملامح في سرد ممتع وسهل، يدفع القارئ إلى الاستمرار في القراءة لمعرفة نهايات قد تزعجه أحياناً.

 ثمة إعجاب بقصص من بينها «أنا ودراجتي الحمراء»، تعود فيها البطلة إلى طفولتها تتذكر دراجتها الحمراء، وتفوّق في قصة «لقاء غريب» التي تتمحور حول فهم بعض العرب الخاطئ للشخصية الخليجية.

تبهرك قصة «الرجل الخامس» المتمحورة حول متقاعد كويتي اكتفى بالحياة ويرفض دخول حياة أخرى، فيعيش وسط موج البحر وصوت أم كلثوم يصدح بكلمات أغنية «فات الميعاد».

قصة «المرأة الخامسة» سرد جميل لقضية أنثوية شائكة، وهي تفويت قطار الزواج، ونهاية مؤثرة.

أما قصة «انحراف» فتصدمك أحداثها كقارئ، إذ لا يتورع بطلها عن الغرق في الانحراف الكامل الذي يشوه الصورة المثالية لدى مجتمعات محافظة.

تحامل

لا أعرف ما إذا انتبهت الكاتبة إلى أن قصص المجموعة تتحامل على الرجل، ففي ما يقارب 14 قصة من أصل 17 قصة، بدا أبطالها من الرجال مذنبون وخونة وغشاشون وفاسدون، والمرأة الضحية، تعيش في مأساة سببها هذا المخلوق الغريب (الرجل) الذي لا ينفكّ يؤذيها، فهو يخونها مع نساء كثيرات ويلاحق صديقات بناتها، ويتزوّجها طمعاً بثروتها، وهو، وهو، وهو.

هل انتبهت الكاتبة إلى ذلك وجعلت النساء ضحية لكل الرجال... لا أعرف لماذا هذا التحامل على الرجل!

نقاط

مع إعجابنا بهذا الإصدار لكاتبة جديدة، إلا أن ثمة ملاحظات يفترض الانتباه لها في أي إصدارات مقبلة، من بينها: حجم الكتاب، إذ يفترض أن يكون من القطع المتوسط وليس الصغير وبحروف أكبر، وأن يراعي الصف الفني للطباعة بدايات الفقرات وبدايات الفصول.

كذلك في مقدمة الكتاب إشادة نقدية بالعمل وتحليل أكاديمي للقصص من قبل أساتذة، نرى هنا ضرورة عدم إقحام هذا التحليل في الكتاب مع احترامنا لما كتب، ذلك أن القارئ لا يهتم بأي تقييم من الآخرين لمضمون الكتاب، فهو بإمكانه تقييم العمل بنفسه.

مبروك للأستاذة هيا الفهد على هذا الإنجاز الذي يستحق سعره الباهظ بجدارة، مع الاستمرار في مسيرة وجع الكتابة الجميل.