«بينما أنا أحتضر»

نشر في 09-02-2014
آخر تحديث 09-02-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري قرأت رواية "بينما أنا أحتضر" لوليم فولكنر قبل سنوات، وكنت أفكر كيف يمكن أن تترجم هذه الرواية إلى العربية دون أن يصاحب ذلك غرابة في قراءة رواية صعبة التركيب عالية اللغة، تمتلك ميزات جنوب أميركية خاصة يحتاج القارئ إلى فهم سيرة ذلك الجنوب ليفك شفراتها.

وما أذهلني أن يغامر أحدهم بجرأة غير متوقعة لصناعة فيلم عن رواية لا يمكن قراءتها بسهولة واستيعابها بيسر. كان النقاد يصرحون دائماً بأنها لم تكتب لتكون فيلماً، وهي التي لم تجد إقبالاً وبقيت ضمن المنهج الأكاديمي لطلبة الجامعات ودارسي الأدب.

النص الروائي جاء مقسماً إلى مجموعة من المنولوجات يرويها أبطال الرواية بشكل متكرر، فيتنقل السرد من أحدهم إلى الآخر لا لتشكيل صورة كاملة عن الرواية، بل لتنويع حالات روائية متناقضة لكل سارد، وقد يتحقق لأحدهم فصل من السرد لا يتجاوز سطراً واحداً أو سطرين ينتقل بعده السرد إلى آخر لصفحات وهكذا. ولذلك هو النص الأكثر غرابة والأقل قراءة لصاحب "الصخب والعنف" رواية الروائيين كما يطلقون عليها.

كان المغامر مع النص هو المخرج "جيمس فرانكو" الذي شارك في كتابة السيناريو وقام بأداء أصعب شخصياته "دارل" الابن المريض نفسياً سيد الحوارات المركبة. كانت هذه النسخة هي الأولى التي تقدم للسينما منذ صدور الرواية عام 1930، ولكنها كانت مغامرة ناجحة، اضطر فيها أن يسكت مجموعة من الشخصيات الهامشية ليشكل الخط الدرامي للحكاية، تحاول الأسرة الجنوبية الفقيرة أن تذعن للأب الغامض والجدي، وهو يصر على تحقيق أمنية زوجته والدة أبنائه ولقيط أنجبته من القسيس لدفنها في بلدتها الأصلية، أثناء رحلة على بغلين يجران عربة وتابوت صنعه الابن النجار، يخسر الأب جواداً حين تغرق العربة ويخسر أحد الأبناء ساقه ويخسر "دارل" عقله. أما المكاسب الحقيقية فهي لا تتعدى طقم أسنان للأب وتخلص الابنة من ابن غير شرعي في أحشائها.

بالتأكيد حافظ المخرج بذكاء على خيط الحكاية الأصلي ورسالتها الأهم وهي أن أغلب أعمالنا النبيلة تنضوي تحتها رغبات شخصية لا تعادلها نبلاً، وبمقارنة الرواية بالفيلم المقتبس عنها يأتي دائماً لمصلحة الرواية. ورواية المنولوج بالذات تحتاج إلى أن تجسد كاملة للحفاظ على هيبتها الروائية وهو أمر يصعب سينمائياً لأمور عديدة إنتاجية وإخراجية.

مغامرة فرانكو مع فولكنر لم تخرج عن محاولة طموحه للاقتراب من النصوص التي يهرب منها المخرجون الكبار، فهو يدرك أن الفيلم لن يكون له نصيب في العرض بالقاعات التجارية ولن يجد إقبالاً كبيراً لأنه عن نص لم يجد حظاً كبيراً من القراء، ولا يتوقع القارئ أن تكون النسخة السينمائية أكثر حظاً. في أغلب أعمال الروائيين هناك نص يعمل الكاتب على إنتاجه وكأنه يقول هذا النص لي أنا أكثر من غيري، إنه جهدي في التجريب ومساحة ذاتية أعبر بها عن طريقة لم يألفها القارئ.

لا يتشابه السرد في كل مقطع من مقاطع الرواية وهو ملكية خاصة لسارده وليس للمؤلف والتعامل مع أكثر من 10 شخصيات مختلفة يحتاج إلى قدرة نفسية هائلة للمحافظة على طريقة سردها وعدم الإخلال به، ربما ذلك فقط ما فشل الفيلم في نقله رغم براعة أداء ممثليه، ولكنه فيلم يستحق المشاهدة.

back to top