ما مدى هشاشة الأسواق الناشئة؟

نشر في 13-02-2014
آخر تحديث 13-02-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت مرة أخرى، تتعرض أسعار الأوراق المالية وصرف العملات في الأسواق الناشئة لضغوط نزولية حادة، ولكن هل تكون الأسس الاقتصادية هناك هشة حقاً إلى الحد الذي يخشاه المستثمرون العالميون؟ قد تكون الإجابة المختصرة في رأي البعض هي "أجل"، ولكن الأغلبية يرون أن الإجابة هي "ليس بعد".

وبالنسبة إلى أغلب البلدان، فإن ما نراه الآن هو عملية إعادة تقويم مع استيعاب المستثمرين للخطر المتمثل باحتمالات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين بسرعة أبطأ، واحتمالات بدء بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي في تشديد سياسته النقدية بسرعة أكبر، فضلاً عن تراجع السياسات في العديد من البلدان والذي قد يقوض النمو المحتمل. ومن ناحية أخرى، كان التحول الهائل في أوروبا إلى الفائض التجاري (أحد العوامل الرئيسة التي تدعم الاستقرار المكتشف حديثاً في المنطقة) وانخفاض قيمة الين الياباني بشكل حاد من بين عوامل لا حصر لها تضغط على البلدان الساعية إلى كبح جماح العجز في الحساب الجاري.

ويبدو الأمر الآن وكأن خبراء التحليل في غولدمان ساكس كانوا بالأمس فقط يحتفلون بمعجزة النمو في بلدان مجموعة "البريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) وفي  تقريره حول التوقعات الاقتصادية العالمية في إبريل 2013 توقع صندوق النقد الدولي أن يكون التعافي العالمي ثلاثي السرعات وبقيادة الأسواق الناشئة.

ولكن ماذا حدث؟ الواقع أن المتهم الأكثر شعبية هو بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الذي بدأ الخفض التدريجي لسياسته التجريبية المسماة "التيسير الكمي"، أو المشتريات من الأصول الطويلة الأجل التي كانت تهدف إلى دعم النمو بما يتجاوز ما يمكن تحقيقه من خلال خفض أسعار الفائدة الاسمية إلى الصفر، ولكن يكاد يكون من المؤكد أن الدور الذي لعبه بنك الاحتياطي الفدرالي كان موضع مبالغة.

فأولا، يعكس تراجع بنك الاحتياطي الفدرالي جزئياً الثقة المتزايدة في الاقتصاد الأميركي، وهو ما يعني بالضرورة سوق تصدير أكثر قوة بالنسبة إلى أغلب الاقتصادات الناشئة، وعلاوة على ذلك فإن تشديد السياسات المتواضع من جانب بنك الاحتياطي الفدرالي يضاهيه اتجاه نحو سياسة نقدية أكثر تساهلاً في منطقة اليورو واليابان؛ وهذا يعني أن السياسة النقدية في البلدان المتقدمة في الإجمال تظل متكيفة ومرنة إلى حد كبير.

أما حالة عدم اليقين بشأن النمو في الصين فهي أكثر جوهرية، فلأكثر من عقد من الزمان ساعد النمو المذهل في الصين في تغذية الطفرة غير العادية في الأسعار والتي كانت سبباً لامتداح وإطراء صناع السياسات في كل الأسواق الناشئة المصدرة للسلع الأساسية، من روسيا إلى الأرجنتين. ويحضرني هنا كيف كان بوسع الأرجنتينيين أن يتعاملوا بتجاهل وازدراء مع "إجماع واشنطن" الداعم للسوق لمصلحة "إجماع بوينس آيرس" الداعم للتدخل؟

والآن، لم يعد هذا وارداً إلى حد كبير، فالنمو في الأمد القريب في الصين يُعَد سؤالاً مفتوحا، في ظل محاولات قياداتها الجديدة للحد من الطفرة غير المستدامة التي تتغذى على الائتمان. ويبدو أن الأسواق العالمية لم تكن تدرك حتى وقت قريب أن ركود النمو كان احتمالاً واردا، ومن المؤكد أنه إذا حدث أي توقف مؤقت في النمو السريع في الصين فإن الاضطرابات الحالية في الأسواق الناشئة سوف تبدو أشبه بزوبعة في فنجان بالمقارنة بالزلزال الذي قد يترتب على ذلك التوقف. وهناك عوامل جوهرية أخرى جديرة بالملاحظة وإن كانت أقل أثرا. إن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة تعمل على تغيير معادلة الطاقة العالمية، وتستشعر البلدان المصدرة للطاقة مثل روسيا الآن الضغوط النزولية على أسعار صادراتها. وفي الوقت نفسه يؤثر انخفاض تكاليف الطاقة الحاد في الولايات المتحدة على القدرة التنافسية للشركات المصنعة في آسيا، على الأقل بالنسبة إلى بعض المنتجات.

ومع إصلاح المكسيك لقطاع الطاقة لديها فسوف يتسع نطاق الضغوط المفروضة على شركات التصنيع في آسيا؛ والآن تستفيد المكسيك بالفعل من ضغوط التكاليف في الصين،

ويشكل "اقتصاد آبي" في اليابان أهمية كبرى بالنسبة إلى بعض البلدان، حيث يفرض الانخفاض الحاد في قيمة الين ضغوطاً على كوريا بشكل خاص وعلى منافسي اليابان الآسيويين في العموم، وبطبيعة الحال فإن انتعاش اليابان سوف يكون مفيداً في الأمد البعيد لاقتصادات المنطقة بالكامل.

ولعل الاستقرار في منطقة اليورو كان العامل الإيجابي المنفرد الأكثر أهمية في دعم ثقة السوق في العام الماضي، ولكن مع اقتراب البلدان الواقعة على أطراف منطقة اليورو من تحقيق توازن الحساب الجاري ونجاح بلدان الشمال مثل ألمانيا في جمع فوائض ضخمة فإن الجانب الآخر كان متمثلاً بتدهور الفائض في الأسواق الناشئة، والذي أدى إلى تفاقم نقاط الضعف التي تعيبها.

ولكن في صميم مشاكل الأسواق الناشئة يكمن تدهور السياسة والسياسات، وهنا سنجد اختلافات كبيرة بين البلدان، ففي البرازيل، كانت المحاولات الحكومية الرامية إلى إضعاف استقلال البنك المركزي والتدخل في أسواق الطاقة والإقراض سبباً في الإضرار بالنمو.

وتعاني تركيا من تحديات عصيبة تواجه مؤسساتها الديمقراطية، فضلاً عن ضغط الحكومة على البنك المركزي، وكان فشل روسيا في تطوير مؤسسات مستقلة قوية سبباً في زيادة المصاعب التي تواجهها طبقة رجال الأعمال التي تسعى إلى الظهور والمساعدة في تنويع الاقتصاد.

وفي الهند، يظل استقلال البنك المركزي قوياً بشكل معقول، حيث يفكر بنك الاحتياطي في الهند الآن في التحول إلى نظام يستهدف التضخم. بيد أن فترة طويلة من السياسات الشعبوية تسببت في إضعاف اتجاه النمو وتفاقم التضخم.

ورغم هذا فإن بعض الأسواق الناشئة تتحرك نحو الأمام وبوسعها أن تستفيد من الاضطرابات إذا تمكنت من المواصلة على المسار الصحيح، فباستثناء المكسيك، أصبحت بلدان كثيرة مثل تشيلي وكولومبيا وبيرو في وضع يسمح لها بتحقيق مكاسب من الاستثمارات في بناء المؤسسات. ولكن تعزيز ودمج المؤسسات الجديدة قد يستغرق عقوداً من الزمان بطبيعة الحال، بل فترة أطول أحيانا.

ولكن ما مدى هشاشة الأسواق الناشئة في العموم؟ على النقيض من تسعينيات القرن العشرين، عندما كانت أسعار الصرف الثابتة منتشرة على نطاق واسع، فإن أغلب البلدان الآن لديها أسعار مرنة قادرة على امتصاص الصدمات. والواقع أننا نستطيع تفسير الدراما السائدة اليوم جزئياً كانعكاس لعمل وسائل امتصاص الصدمات.

ربما انخفضت أسعار الأسهم في الأسواق الناشئة، ولكن هذا أيضاً يُعَد وسيلة لامتصاص الصدمة. والسؤال الحقيقي هو ماذا قد يحدث عندما تنتقل الاضطرابات إلى أسواق الدين، والواقع أن العديد من البلدان نجحت في بناء احتياطيات كبيرة، وتعمل الآن على إصدار كميات أكبر كثيراً من الدين بالعملات المحلية. وبالطبع لا يشكل خيار زيادة التضخم لتقليص الديون حلاً سحرياً بأي حال. ومن المؤسف أن المزيد من الدراما قادم بكل تأكيد على مدى السنوات القليلة المقبلة.

* كينيث روغوف | Kenneth Rogoff ، كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top