عبدالله العتيبي قادماً!

نشر في 30-04-2014
آخر تحديث 30-04-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي بتاريخ 7 يناير الماضي، وفي هذه الزاوية كتبت: «(لا مكان يصلح للانتظار)، للشاعر علي حسين الفيلكاوي. ديوان شعر يحق للكويت أن تفاخر به! ويحق للساحة الثقافية الكويتية، والإبداعية الشعرية تحديداً أن تحتفل به» وها أنا اليوم أشير إلى اسم آخر، هو كاتب القصة الشاب عبدالله العتيبي، فأنا متأكد أن هذا الاسم سيكون له شأن كبير ومهم في الكتابة القصصية، ليس على مستوى الكويت، بل على مستوى الوطن العربي.

«النيرفانا، أحياناً مغلقة» مجموعة عبدالله العتيبي، صدرت بطبعتها الأولى عن مكتبة آفاق، 2014، ولست أبالغ إذا قلتُ أنني منذ أكثر من عقد لم أقرأ لكاتب كويتي شاب مجموعة قصصية ناضجة ومبشّرة كما هي مجموعة العتيبي، فهذه مجموعة تأتي معجونة بالصدق الفني، والألم الاجتماعي، والعبارة الموحية، والقدرة على كتابة قصة قصيرة تحقق شرطها الفني، وتنفتح على آفاق شاسعة من التأويل، وتبقى عالقة في الذهن، ربما لفترة طويلة.

حين تحدثت مع عبدالله العتيبي، سألته: «منْ اختار عنوان المجموعة» ولحظة أجابني بقوله: «أنا» قلت له: «لقد ظلمت نفسك!». فعنوان المجموعة، كعتبة نصٍ أولى، لم يكن مفتاحاً موفقاً يأخذ القارئ للدخول إلى عوالمها المكتنزة، ولا هو عبّر عن أجوائها المؤلمة، وأخيراً لم يضف بعداً فكرياً يكرس القضايا التي تناولتها المجموعة.

«النيرفانا» حوت عشر قصص، وفي الغالب جاءت العناوين ناجزة، وكاشفة لعوالم القصة: جياعٌ... كسقط المتاع، خطأ معماري، صراع الفضيلة، نزوة ساقٍ مقطوعة، منطقة في جوار الفردوس. وبعيداً عن العناوين المباشرة، فإن لعبدالله العتيبي عينا فاحصة، قادرة على النفاذ إلى ما تحت القشرة الكاذبة للواقع الاجتماعي الخادع، وهو ابن بيئته بهمومها وأوجاعها، وشيءٍ قليلٍ من آمالها.

لعبدالله العتيبي، ثيمات واضحة اشتغل عليها، ومن أهمها «الأم» فهي موجودة في أكثر من قصة، ودورها متنوع، ولو أن الانكسار والخيبة هما الوجهان الأكثر التصاقاً بها. كما أن العتيبي كتب قصتين وكانت الرائحة المحرك الأساس لأحداثهما، إضافة إلى أوجاع فئة «البدون».

توجّه صاحب المجموعة الفكري يكشف عن نفسه منذ المدخل، فاستعانة عبدالله العتيبي بعبارة فنان الكاريكاتير العربي الأهم «ناجي العلي» تقدم مفتاحاً مهماً لموقفه الاجتماعي، وإيمانه بوظيفة الفن الاجتماعية: «متهم بالانحياز هي تهمة لا أنفيها: أنا منحاز لمن هم تحت» فالمجموعة منذورة لمن هم في القاع، للدافعين حياتهم ثمناً للقمة العيش، حتى لو وصل الأمر ببطلة قصة «بطعم النكبة» أن تقدم جسدها ثمناً لمبلغ مالي تتعيش وطفلها منه!

يعيش العالم لحظة مجنونة، تنفتح على آفاق المعرفة البشرية، بواسطة ثورة المعلومات والاتصال، ويعيش في الآن نفسه، عنفاً ووحشية ودماً يومياً. ولذا ما عاد ممكنا للفن أن يتخفى وراء الرمزية ولا أن يلبس رداء الفن للفن، بل الفنان المبدع مطالب، أكثر من أي لحظة سابقة، بأن يُسمي الأشياء والمواقف بأسمائها الحقيقية، وأن يعري وجه القبح الذي يلفّ شرايين حياتنا.

لعبدالله العتيبي أسلوب فيه الكثير من مكر الفن الجميل، بأن يصنع نهايات مفتوحة لقصصه، وهي نهايات تجبر القارئ على أن يكون مشاركاً حقيقياً في الكتابة، ليضع من عندياته نهاية للقصة، وهذا يضفي مذاقاً خاصاً على قصص العتيبي، ويتركها مفتوحة على عدد من التأويلات لا ينتهي!

هناك من يرى تسيّد جنس الرواية لعقود قادمة، لكن نقادا كثرا في أوروبا وأميركا يعتقدون أن الرواية بلغت القمة، وانها إلى انحدار، وأنا إذ ألمح نَفَسَاً روائياً واضحاً عند عبدالله العتيبي، وتحديداً في قصة «نزوة ساقٍ مقطوعة» لأتمناه يبقى في بستان القصة الجميل، خاصة وأنه أخبرني بأنه يعدّ لمجموعته الثانية.

back to top