يقيض الله أناساً مهمتهم إيقاف التناحر والتشاجر بين الناس، يطلق عليهم المصلحون، وسمح لهم باستخدام الكذب المنهي عنه تماما، من أجل تهيئة النفوس، وأن هؤلاء أخلصوا مع الله فوضع فيهم القبول لدى خلقه، ولهم في الآخرة أجر عظيم، ويعد ذلك من أعلى مراتب المعاملات بين المسلمين.

Ad

يقول عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور محمد الشحات الجندي: إن الإصلاح بين الناس يعد أصلا أصيلا في الإسلام، لقوله تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس"، وقوله عز ووجل "فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (الأنفال: 1).

وأجمع أهل العلم على أن إصلاح ذات البين من أعلى الواجبات الشرعية، والإصلاح يكون على المستويين الفردي والجماعي، ويتأكد هذا في زمن حدوث الفتن، لأن الإصلاح في هذه الحالة يحقق الأمن المجتمعي.

 ويؤكد الجندي أن القائم بدور المصلح بين النّاس قد يتعرض إلى الخطر، لأنه معرض كثيراً إلى الاتهام من قبل الطرفين المتخاصمين، لأنه يمثل الحقيقة في وضوحها، ولا يمكن باستطاعته الحيد عنها، إلى جانب أن أحد الطرفين قد لا تعجبه الحقيقة، لذا فعلى المصلح أن يكون واسع الصدر على هذا الأمر العظيم، لأن نتائج عمله قد توقف معارك ومشاحنات بين المسلمين، كونه يجمعُ شمل الناس ويضمُ الجماعة ويبعد الفرقة، والإصلاح بين المسلمين مبعثُ الأمن والاستقرار، ومنبع الألفة والمحبة، ومصدر الهدوء والطمأنينة، إنه آية الاتحاد والتكاتف، ودليل الأخوة وبرهان الإيمان وقوله تعالى "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" (الحجرات: 9)، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "أفضل الصدقات إصلاح ذات البين".

ويوضح الجندي أن الشريعة أجازت ممارسة الكذب رغم قباحته وبشاعته، في ثلاثة مواضع أحدها، بأن يمارسه المصلح بين مسلمين متخاصمين، وللإصلاح فقه ومسالك دلت عليه العديد من نصوص الشرع، وسار على نهجه المصلحون الصالحون، كما يتوجب على المصلح أن يكون من أهل التقوى، وأن يبتغي من وراء الإصلاح مرضاة الله فقط، وتجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية، فإذا تحققت أركان الإخلاص في المصلح، تحقق التوافق، ويقول الله سبحانه وتعالى "وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء: 114).