كان مسؤولو البنوك المركزية هم أبطال أزمة 2008. وحين وجدوا أنفسهم في مواجهة ركود عظيم آخر، نصبوا أسلحتهم الثقيلة وأخذوا بإطلاقها. والتحدي أمام رئيسة مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي الأميركي جانيت ييلين هو أنها تتولى رئاسة البنك في وقت يسوده الغموض العميق. فالتهديدات الموجودة في الأفق يصعب تقديرها، كما هي الحال دائماً. ليس هذا فحسب، لكنها تواجهها وهي تعرف أن غرفة السلاح في البنك المركزي خالية من العتاد.

Ad

ويبدو أن كل رئيس مجلس إدارة للاحتياطي الفدرالي الأميركي يرتطم بأزمة في أعوامه الأولى. فبالنسبة لبول فولكر في عام 1979 كانت أزمة التضخم العنيفة، ولألان جرينسبان كانت انهيار "الاثنين الأسود" عام 1987، ولبن برنانكي في عام 2006 كانت انفجار فقاعة قطاع الإسكان الأميركي. ومهما كان الذي قد يصدم جانيت ييلين، فقد بدأت بمشكلة لم تُصب أياً ممن سبقها، وهي أن "الاحتياطي الفدرالي" نفدت منه الذخيرة. علاوة على ذلك، السلاح الوحيد الذي يعتقد "الاحتياطي الفدرالي" أنه لايزال لديه – وهو الكلام الفارغ المدعو "الإرشاد المتقدم" – هو بندقية لا تُطلق إلا رصاصات فارغة، ويفشل في أي محاولة يقوم بها.

إيجاد الوظائف

ونظراً لمدى التركيز الكبير الذي تضعه ييلين على سياسة الإرشاد المتقدم، فإن أول معضلة تواجهها تبدو واضحة. فالعام الذي سادت توقعات على نطاق واسع بأنه عام الانطلاق بالنسبة للولايات المتحدة يواجه مرة أخرى خطر التعثر. فقد بلغ متوسط إيجاد الوظائف في الولايات المتحدة منذ نوفمبر 116 ألف شخص شهرياً – وهو أقل بكثير من سرعة الإفلات من الركود.

وتوقف نمو قطاع التصنيع. ونمو الصادرات يتباطأ بشكل حاد. وقد يكون بعضٌ من هذا موسمياً. فبالكاد كانت "الدوامة القطبية" القاسية في الشهر الماضي وقتاً جيداً للباحثين عن عمل في أميركا للتجول في الشوارع. لكنه يتعارض مع الانتعاش القوي الذي كان متوقعاً في عام 2014.

وفي حال استمرت الأرقام الضعيفة، فسيكون من الصعب قبول خيار ييلين الأول – وهو إيقاف الانسحاب التدريجي للاحتياطي الفدرالي القائم منذ شهرين – حتى لو أرادت ذلك. وفي اجتماعه الأخير في يناير، خفف برنانكي التسهيل الكمي بمبلغ آخر قدره عشرة مليارات دولار ليصل إلى 65 مليار دولار شهرياً. وكانت ييلين، التي ستلقي أول شهادة لها أمام الكونغرس اليوم، تدعمه تماماً. وفي العام الماضي أربك الاحتياطي الفدرالي الجميع – وهز الأسواق – حين ألمح إلى أن الانسحاب التدريجي كان وشيكاً، ومن ثم غير رأيه قبل التنفيذ في نهاية المطاف في ديسمبر. وإجراء تحوّل آخر سيبدو متهوراً. وإلى جانب ذلك، أوضحت ييلين أن تكاليف برنامج التسهيل الكمي الثالث، من حيث ارتفاع الأسعار الكبير في سوق الأسهم، قد بدأت تتجاوز منافعه. ومن المتوقع أن تواصل الانسحاب التدريجي.

أسعار الفائدة

ثانياً، سلاح "الاحتياطي الفدرالي" الرئيسي، وهو تخفيض أسعار الفائدة، استنفد منذ وقت طويل. فالولايات المتحدة الآن في عامها السادس من سعر الفائدة الصفري. ويعتقد بعضهم، ومن بينهم لورنس سَمَرْز، خيار باراك أوباما الأول، المثير للجدل، لخلافة برنانكي، أن سعر فائدة التوازن في أميركا هو عدة نقاط مئوية في السالب. وأثارت حجته نقاشاً حاداً حول "الركود طويل الأمد". لكن حتى لو كان محقاً، وحتى لو اتفقت معه ييلين في هذا التشخيص، فمن غير المضمون أبداً أن تتمكن من إقناع مجلس إدارة "الاحتياطي الفدرالي" بهندسة التضخم الأعلى لتحقيق أسعار فائدة سلبية للغاية. علاوة على ذلك، الصخب الذي سينتج عن ذلك في الكونغرس سيُشكل تهديداً لاستقلالية البنك المركزي ـ سيكون هدية لمستثمري الذهب الذين يريدون "وضع حد للاحتياطي الفدرالي". بالتالي، هذا الخيار أيضاً يمكن استبعاده.

* (فايننشال تايمز)

الأعداد المتزايدة للعاطلين تربك ييلين

إن ورطة ييلين يمكن رؤيتها في الأعداد المتزايدة المربكة للعاطلين عن العمل في الولايات المتحدة. وفي ظل الإرشاد الحالي من «الاحتياطي الفدرالي»، الذي تم تعميمه في بداية عام 2012، تعهد البنك بإبقاء أسعار الفائدة الصفرية حتى ينخفض معدل البطالة عن 6.5 في المئة، أو يتجاوز التضخم نسبة 2.5 في المئة. وفي الشهر الماضي انخفض معدل البطالة إلى 6.6 في المئة – وهو على بُعد شهر أو شهرين من الانخفاض عن عتبته. لكن لا يستطيع أحد أن يرى التضخم في أي مكان.

حين تفشل الحيلة يفقد الساحر مصداقيته

لا أحد يعتقد أن انخفاض أعداد العاطلين عن العمل يعكس التسارع الكبير في الاقتصاد الأميركي. فمعظم الانخفاض هو نتيجة تخلي الأشخاص عن البحث عن عمل بدلاً من استحداث فرص عمل قوية. المشكلة نفسها تواجه مارك كارني، محافظ بنك إنكلترا، الذي وعد بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة حتى ينخفض معدل البطالة في المملكة المتحدة عن 7 في المئة. ولقد انخفض في الفترة الأخيرة إلى 7.1 في المئة. مرة أخرى، من غير المرجح أن يرفع أسعار الفائدة عندما ينخفض معدل البطالة عن ذلك المستوى. وكذلك لا يتمتع الإرشاد بصدقية في الأسواق، الأمر الذي يجعل هذين الإجرائين بلا فائدة. هل يمكن أن تنجح أي لغة؟ طالما أن الإرشاد المتقدم هو أساساً حيلة في مجال الثقة فإن الجواب على الأرحج سيكون بالنفي. في اللحظة التي تفشل فيها الحيلة، يفقد الساحر صدقيته. ولابد أن تعثر ييلين على معايير جديدة تصدقها الأسواق. ربما تستطيع الاختيار بين معدل مشاركة القوة العاملة – أي حصة البالغين الذين هم في سوق العمل – الذي يعد مقياسا أفضل لصحة سوق الوظائف، لأنه يشتمل على الأشخاص الذين يشعرون بالتثبيط أو الذين توقفوا نهائياً عن السعي للعمل. ومن الممكن أيضاً أن تأتي بمزيد من المؤشرات الجديدة.

* إدوارد لوس | Edward Luce