في مؤتمر فني ضخم تبثه القنوات الفضائية، وفي مقدمها {الحياة}، {mbc مصر}  و«روتانا سينما}، يتلقى المخرج حسين كمال سؤالاً عبر {الفيديو كونفرانس} من مراسل إحدى القنوات اللبنانية الشهيرة حول آخر أعماله، فيجيب: {فيلمي الثاني سيكون {البوسطجي}. بعد عامين من التفكير الطويل والتأمل العميق، جاءني الفيلم أشبه بلحظة تنوير. كتبته مع صبري موسى ودنيا البابا، ثم ذهبت إلى صلاح أبوسيف (بوصفه رئيس لجنة السيناريو التابعة للدولة والمشرفة حينها على إنتاج أفلام القطاع العام و«البوسطجي» أحد أبرز هذه الأفلام وقلت له «لن أصنع إلا هذا».

Ad

فيلم «البوسطجي» مأخوذ عن رواية للأديب المصري يحيى حقي، ويحكي عن عباس البوسطجي (شكري سرحان) الذي ينقل حديثاً من القاهرة إلى قرية في صعيد مصر ليعمل ناظراً في مكتب البريد، وهناك يعاني معاملة أهل القرية له بجفاء ويشعر بالحرمان العاطفي فيتفق مع راقصة في القرية (سهير المرشدي) لزيارته. ولكن أهل القرية الذين يتربصون به يهاجمون المنزل، ويطردون الراقصة ويضربونها ويفضحون عباس.

يقرر عباس الانتقام من أهل القرية بأن يتجسس على رسائلهم ويعرف أسرارهم، ويعرقل وصول بعضها ويمزق البعض الآخر. وتلفت نظره رسالة من فتاة تدعى جميلة (زيزي مصطفى) أرسلتها إلى حبيبها خليل (سيف عبد الرحمن) يعرف منها أنها حامل منه وأنها تستنجد به ليتزوجها. وتنتهي القصة بقتل جميلة على يد والدها الذي سبق وأن رفض {خليل  بحجة أنه رآها وتعرف إليها من دون علمه، الأمر الذي كان يُعتبر آنذاك مخالفاً لأعراف المجتمع. ومع نهاية الفيلم ينهار عباس حينما يشعر أنه كان سبباً في قتل جميلة، ثم يمزق الرسائل التي في حوزته ويسير هائماً حزيناً بوصفه القاتل الحقيقي المجهول.

لو طرحت في زمننا الحاضر رائعة حسين كمال {البوسطجي}، هل كانت ستنال إعجاباً وتعاطفاً مع الجمهور، هل كانوا سيدشنون صفحة معجبين (Fan Page) تحمل اسم أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، يسجلون خلالها إعجابهم بالفيلم وتعاطفاً مع أبطاله؟ أم ستحمل الصفحة كثيراً من التعليقات الساخرة تارة من الأعراف والتقاليد التي تحول دون زواج بطلي الفيلم لمجرد أنهما مدا حبل الوصال، وأخرى تتعلق بـ}الخطابات البريدية} بوصفها باتت موضة قديمة جداً ولا مجال للتعامل بها الآن في ظل زمن الرسائل الإلكترونية والـ}واتس أب}؟ أم أن جمهور الصفحة كان سيعقد مقارنة بين الفيلم وبين تسلسل القصة الأصلية التي كتبها حقي ضمن مجموعة {دماء وطين}، وكانت العقدة الدرامية فيها تختلف عما ظهر في الفيلم، حيث العريس مسيحي بروتستانتي والعروس أرثوذكسية، أي أنهما مختلفان في المذهب، ما دفع والد العروس إلى رفض زواج ابنته ومن دون معرفته بأن جنيناً يتحرك في أحشائها مجسداً للفضيحة، مؤكدين أن قصة حقي الأصلية أكثر جمالاً وأعمق فنياً وأروع تأثيراً وأكثر دلالة، لأن الفيلم ابتعد عن عقدة القصة وهي {الموانع الدينية}، منددين بالطبع بقمع الإبداع، ما يتعارض والدستور الجديد.

كذلك كانت الصفحة ستتضمن تصريحات لأبطال العمل وردود أفعالهم على نجاحات الفيلم المتزايده، والمشاركات الدولية التي يفكر مخرجه في التواجد فيها.

الفيلم والتكنولوجيا

المؤكد أيضاً أن التكنولوجيا وآليات العصر كانت كفيلة بتغيير مسار أحداث الفيلم. مثلاً، كانت مهنة البوسطجي ستتبدل إلى أحد مديري مقاهي الإنترنت أو كما يسميها البعض {السايبر نت}، ما يتيح لعباس اختراق حسابات عدد كبير من الأهالي الذين يترددون على مقاه ليمارسوا الدردشة مع ذويهم الذين تغربوا قهراً عن بلدتهم للبحث عن لقمة العيش.

كذلك كانت التحولات الحداثية ستطاول مشاهد أساسية في الفيلم فبدلا من أن يحاصر الفلاحون منزل {شكري سرحان} بالشكل التقليدي غاضبين ورافضين ما فعله، سيعتدون عليه ضرباً ويصورونه بكاميرات رقمية وهواتف نقالة قبل النشر على موقع {يوتيوب}، على غرار ما حدث في مصر منذ أشهر حينما انشغل المصريون بفضائح مدرب الكاراتيه في أحد الأندية المصرية، والذي صوَّر عدداً من المترددات على صالته الرياضية في أوضاع مخلة، وهو ما أثار  جدلاً واسعاً حينما تسربت مقاطع الفيديو.