سعد عبد الرحمن: المثقف يفقد مصداقيته بالتعالي على الناس

نشر في 13-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 13-07-2014 | 00:02
No Image Caption
دعا رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية السابق سعد عبد الرحمن جموع المثقفين إلى ضرورة الخروج من حالة التشرذم الراهنة، مشيراً إلى أن مصداقية المثقف تتآكل عندما يتحدث بلغة متعالية على الناس، ونافياً ما تردد عن وجود خلاف على تولي الدكتور جابر عصفور حقيبة الثقافة، بدعوى انتمائه إلى النظام القديم. إلى نص الحوار.
لماذا وقعت خلافات داخل وزارة الثقافة بعد إعلان توزير جابر عصفور؟

لم تشهد الوزارة خلافات فور إعلان اسم الوزير، ولكن فسَّر البعض التباين في وجهات النظر بطريقة خاطئة، فثمة من يرى إصلاح الوزارة بطريقة تتعارض مع منهج الدكتور عصفور، وهو ما ظهر على أنه خلاف على توليه حقيبة الوزارة. لكن ذلك لا يعني أن ثمة تصارعاً داخل الوزارة، فمن حق الجميع أن يجتهد وأن يطرح رؤيته الخاصة في إطار ما يتاح له، وأن يبني على ما سبقه.

وما تعليقك على استقالة أمين المجلس الأعلى للثقافة في مصر أخيراً؟

يحق للدكتور سعيد توفيق أن يستقيل من أمانة المجلس الأعلى للثقافة لأن له مبرراته، ولكني اعترضت على تقديم الاستقالة بشكل مفاجئ قبيل إعلان أسماء الفائزين بجوائز الدولة وقبيل حضور الوزير، لأنها مسألة كانت تتطلب روية وأناة من دون انفعال وضجيج إعلامي.

بحكم منصبك السابق، ما الدور الذي تضطلع به الهيئة وخصوصاً بعد التغيير الوزاري الأخير؟

دور قصور الثقافة لا علاقة له بالتغيير الوزاري، فالهيئة أقدم من الوزارة التي أنشئت عام 1958 أي بعد ثورة يوليو، في حين أن الهيئة كانت موجودة منذ 1945، أي منذ العهد الملكي، تحت اسم “الجامعة الشعبية”. وفي النهاية، فإن دوري الوزارة والهيئة مكملان لبعضهما البعض في نشر التنوير وتشكيل الوعي في ربوع البلاد.

ما النهج الذي تفتقده وزارة الثقافة وتأمل بأن يسود خلال الفترة المقبلة؟

أتمنى أن يعمل جميع المؤسسات التابعة للوزارة بروح الفريق. للأسف، كل قطاع يعمل بمفرده بمعزل عن القطاعات الأخرى، ما يؤدي إلى تفتيت الجهود وإضعافها، فضلاً عن زيادة الإنفاق، فما تقيمه الهيئة من فعاليات ثقافية، قد يقوم به قطاع آخر وبتكاليف جديدة، لكن لو تكاملت القطاعات كافة ستتسع دائرة الاستفادة لتصل الثقافة إلى مناطق أكثر وبتأثير أكبر من خلال العمل الجماعي.

هل ترى أن نسبة مشاركة الشباب في الحياة الثقافية كافية؟

أعتقد أن الشباب بدأ يهتم بالثقافة منذ بداية الثورة في 2011 وما سبقها من تجاذبات وصراعات سياسية، وكنت قبل هذا التوقيت أحزن عندما أجد معظم الشباب مهتماً بمباريات كرة القدم كانتصارات بديلة على حساب اهتمامه بأمور الثقافة والسياسة. لكن الشباب تغير إلى الأفضل وأصبحت له اهتمامات لم تكن تعنيه من قبل خلال عهد مبارك، وأرى أن اهتمامه بالثقافة والسياسة يعني اهتمامه بالمستقبل، وهو أمر جيد.

ما أهم المشاريع التي تفتقدها الوزارة وتعوق جذب المواطنين إلى الأنشطة الثقافية؟

في الحقيقة، ثمة مشاريع كثيرة، في مقدمها ضرورة الاهتمام بالعدالة الثقافية كجزء من العدالة الاجتماعية التي نادت بها الثورة، فلا يصح وقد انصرم من القرن الحادي والعشرين عقد ونصف العقد، وجود أماكن ما زال المواطنون المقيمون فيها محرومين من الخدمة الثقافية والفنية، فضلاً عن عدم توافر مواقع ثقافية لإقامة الأنشطة والفعاليات المختلفة، ما يخل بمبدأ العدالة.

أطالب بضرورة اهتمام الدولة بإقامة مواقع ثقافية في جميع القرى كاهتمامها بإقامة مراكز الشباب، فثمة أربعة آلاف مركز شباب في مصر، في حين أن عدد المواقع الثقافية في الدولة لا يتعدى خمسمئة موقع، ونصفها يسمى مواقع ثقافية مجازاً، فهي عبارة عن حجرة أو شقة في مساكن شعبية لا يتوافر فيها “فيديو بروجكتور”، أو جهاز صوت أو مسرح متنقل أو أجهزة كمبيوتر أو وسيلة تنقل لإقامة نشاط ثقافي في قرية مجاورة. على الدولة أن تنشئ قصر ثقافة أو بيت ثقافة أو حتى مكتبة في كل قرية مثلما أنشأت مركزاً للشباب في كل قرية.

تتطلب هذه الخطوة إمكانات من دولة، حيث إن ميزانية هيئة قصور الثقافة لا تساعد على إنشاء أكثر من موقعين أو ثلاثة كل عام، فضلاً عن احتياج مواقع أخرى لترميمات وصيانة وأعمال إحلال وتجديد.

ما الذي تأمله من وزير الثقافة الحالي؟

أنتظر من د. جابر عصفور أن يعمل على ثلاث ركائز أساسية، أولها أن يجعل قطاعات الوزارة تعمل بروح الفريق، وثانيها أن يركز جهوده على الأقاليم، أي خارج القاهرة، والركيزة الثالثة التي أتمنى تحقيقها أن يمكّن مؤسسات الوزارة من خلال دعمها بالإمكانات اللازمة وتحريك ميزانياتها قليلاً وفق المتاح، من أن تستكمل أدواتها لتؤدي دورها في نشر الوعي وتثقيف المواطنين تثقيفاً حقيقياً.

ما المشكلة التي تعانيها هيئة قصور الثقافة؟

مشكلة الهيئة في ضعف الميزانية المرصودة لها، فميزانية الأنشطة الثقافية والفنية في الهيئة عبارة عن ثلاثين مليون جنيه سنوياً، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية نفقات أنشطة وفعاليات في قصور وبيوت الثقافة على مستوى الجمهورية. بتقسيم الميزانية على عدد سكان مصر يكون نصيب كل مواطن من الأنشطة نحو تسعة وعشرين قرشاً في العام. مع هذه النسبة لا يصح الحديث عن تنوير أو توعية، فالمثل الشعبي يقول “اطبخي يا جارية كلف يا سيدي”، أي ادعمني كي أستكمل أدواتي سواء في البشر أو في الحجر. كي يصبح للهيئة تأثير حقيقي، تحتاج هذه الميزانية إلى أن تزيد مبدئياً إلى الضعف، فضلاً عن ضرورة زيادة ميزانية الإنشاءات في الهيئة من ستين مليون جنيه إلى مئة وعشرين مليوناً.

ماذا تطلب من المثقفين؟

أن  يخرجوا من حالة “الشللية” والتشرذم وأن يكون لديهم قدر من النزاهة لتأسيس المصداقية لدى جموع المواطنين، لأن الصراعات ما بين المثقفين ولهثهم وراء المصالح والمنافع الشخصية يجعل الناس تنظر إلى النخبة على أنها “شيء سيئ”، وما دام الناس ينظرون إلى هذه النخبة بهذا الشكل فمن الطبيعي ألا يلتفتوا إلى كلامها، وبالتالي تصبح هذه النخبة “كرتونية”.

أتصور أن مصداقية المثقف تتآكل عندما يتحدث بلغة متعالية على الناس، ولا يتبنى قضاياهم، ويظهر أمامهم في صراع دائم وباحثاً عن مصلحته الشخصية.

back to top