أقدمت إيران على خطوة غير مسبوقة خلال المفاوضات الأولى في جنيف هذا الشهر حول برنامجها النووي منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني: قبلت حقّاً بالتفاوض. فهذه المرة الأولى التي تقدّم فيها رؤية حقيقية عن أهداف محادثاتها مع ست قوى عالمية وعن كيفية تحقيقها، ولكن بخلاف التوقعات، لم تطرح أي تنازلات، ما أثار تساؤلات مهمة حول غاية إيران الفعلية، وبما أن الجولة التالية من المحادثات ستُعقد الأسبوع المقبل، فقد يكون من الأفضل أن يتّبع المفاوضون الأميركيون مبادئ تصون المصالح الأساسية المهدَّدة.

Ad

يبقى الخطر الأمني القومي الأكثر إلحاحاً، الذي تواجهه الولايات المتحدة، الحؤول دون تحوّل إيران إلى دولة تتمتع بقدرات نووية. ولعل الطريقة الفضلى لتحقيق هذا الهدف التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، إلا أن هذا كل ما تستطيع الدبلوماسية إنجازه، فهي في النهاية مجرد وسيلة.

ذكر وزير الخارجية الأميركي جون كيري: "يُعتبر القبول بصفقة سيئة أخطر من عدم التوصل إلى صفقة"، فعقدُ صفقة لمجرد الرغبة في ذلك لا يمنع إيران من اكتساب قدرات نووية، يقوّض شرعية أي محاولات أميركية أو إسرائيلية (الأكثر احتمالاً) لاحقة لوقف تقدم إيران باللجوء إلى عمل عسكري، يسلب الولايات المتحدة مصداقيتها، ويضعف (هذا إن لم نقل يدمّر) نظام منع انتشار الأسلحة النووية الدولي القائم منذ عقود.

إذاً، يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق يستند إلى معايير محددة كي تضمن أن الصفقة تعزز مصالح واشنطن وحلفاءها، وكما أوضحنا في تقرير مركز جيموندر التابع للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ثمة ستة مبادئ يجب التقيّد بها خلال التفاوض مع إيران:

أولاً: من الضروري أن تعالج إيران المخاوف الدولية البارزة، لطالما اشتكت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران لم تكن صادقة بشأن نشاطاتها النووية. فقد عبّرت هذه الوكالة عام 2011 عن "قلق عميق ومتزايد بشأن المسائل غير المحلولة المرتبطة ببرنامج إيران النووي، بما فيها مسائل تحتاج إلى توضيح لاستبعاد وجود أبعاد عسكرية محتملة". وعلى إيران أن تعالج بسرعة كل مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية كجزء من أي صفقة. ثانياً: على إيران أن تلتزم بالمتطلبات القانونية الدولية، فقد دفعت إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران مراراً مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تمرير ستة قرارات تفرض على طهران "تعليق كل نشاطات التخصيب وإعادة المعالجة" و"تطبيق، بدون أي تأخير، كل تدابير الشفافية التي قد تطلبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، دعما لتحقيقاتها المتواصلة". لم تنفك إيران تشكك في شرعية هذه القرارات، مدعيةً أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تمنحها حق تخصيب اليورانيوم. لكن هذا الحق لا وجود له، فضلاً عن أن تمرد إيران وتشويهها للمطالب القانونية الدولية يهددان بتقويض نظام منع انتشار الأسلحة النووية. وللحفاظ على هذا النظام، من الضروري أن يعيد المفاوضون تأكيد صلاحيات مجلس الأمن والهدف الحقيقي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ثالثاً،:يجب منع إيران من اكتساب قدرات نووية عسكرية، إذ يتمحور مصدر القلق الرئيس بشأن برنامج إيران النووي حول واقع أنه اقترب من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لإعداد جهاز نووي. ويجب ألا تكتفي أي صفقة جيدة بتجميد قدرة إيران على تحقيق ذلك، بل ينبغي أن تحدّ أيضاً من هذه القدرة على نحو ملحوظ. ولا شك أن هذا سيتطلب فرض قيود على مخزون طهران من اليورانيوم ومعدلات تخصيبه، عدد أجهزة الطرد المركزي المركبة والعاملة ونوعها، وتصميم منشآت اليورانيوم، وإنتاج البلوتونيوم المحتمل في مفاعل الماء الثقيل في آراك.

رابعاً، من الضروري فرض نظام تفتيش صارم، فلا تعني موافقة إيران على صفقة ما بالضرورة أنها ستلتزم بها، فقد حاولت بناء كل منشآتها الحالية لتخصيب اليورانيوم سرّاً، ولمنعها من مواصلة مساعٍ مماثلة، على المفاوضين أن يطلبوا من إيران القبول بنظام مراقبة أكثر تشدداً لبرنامجها النووي.

خامساً، ينبغي التفاوض من موقع قوة، استغلت إيران غالباً المفاوضات لتحصل على تنازلات، تقوّض التصميم الدولي، وتكسب الوقت. وفي المرات القليلة التي قبلت فيها بالتسوية، كان سبب ذلك اللجوء إلى التهديد باستعمال القوة؛ لذلك سيتوقف نجاح هذه المحادثات على إدراك إيران أن العواقب ستكون فعلية وقاسية، إن أخفقت المفاوضات. وسيتطلب ذلك الخطوات الأميركية التالية على الأقل: تعزيز العقوبات وحض دول أخرى على القيام بالمثل، وإصدار تصريحات أشد لهجة وأكثر مصداقية تؤكد أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، واتخاذ المزيد من الخطوات العسكرية، وتأكيد دعم أي عمل عسكري قد تقدِم عليه إسرائيل، في حال وصلت الأمور إلى هذا الحد.

أخيراً، لا تضيعوا الوقت، إذ ستحقق إيران على الأرجح قدرة نووية سرية بحلول منتصف عام 2014، أو ربما قبل ذلك، ما يحد من الوقت المتاح للتفاوض بشأن صفقة وتطبيقها على نحو فاعل. طرح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، جدولاً زمنيّاً للمفاوضات في جنيف، ولكن نظراً إلى التقدم النووي الإيراني خلال الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة والنشاطات السابقة التي لا يمكن توضيحها، يجب ألا يرضى المفاوضون بجدول زمني يتخطى المرحلة التي يصبح معها من المستحيل منع إيران من تطوير قدرات نووية بوسائل أخرى. فضلاً عن ذلك، قد يردع تطبيق جدول زمني حازم والالتزام به بدقة إيران عن استغلال الدبلوماسية كغطاء، بينما تسارع لتطوير قنبلة، كذلك يطمئن هذا الجدول إسرائيل ويمنعها من اتخاذ أي خطوات منفردةً.

ينبغي للمفاوضين، إذاً، الالتزام بهذه المبادئ لتجنب الخلط بين الأقوال والأفعال، ومن الضروري أن يرفضوا أي اتفاق ينتهكها.

Dennis Ross دينيس روس

Eric Edelman

Michael Makovsky