كثرت في الآونة الأخيرة المقالات التي تشبه مفاوضات وزير الخارجية الإيراني جون كيري مع إيران بمفاوضات إدارة ريغان مع الاتحاد السوفياتي. ولكن هل يُعتبر حسن روحاني حقا ميخائيل غورباتشيف ثانياً: قائد نظام مستبد آخر تستطيع الولايات المتحدة (وعليها) "التعامل معه"، حسبما ذكرت مارغريت تاتشر؟

Ad

يجب ألا ننسى أن غورباتشيف لم يكن يسعى فحسب إلى الحد من الأسلحة في تعامله مع الولايات المتحدة، بل كان ينوي إجراء إصلاح كامل للمجتمع الروسي. تُلخص "موسوعة بريتانيكا" مبادرته كما يلي: "في ظل سياسة الغلاسنوست (الانفتاح) الجديدة التي اتبعها، حدث ذوبان ثقافي كبير: فوُسعت حرية التعبير والمعلومات على نحو كبير. كذلك أُعطيت الصحف ومحطات البث مجالاً أكبر لتغطية الأخبار وتوجيه الانتقاد. وفي النهاية، رفضت الحكومة كاملاً الإرث الروسي من الحكم التوتاليتاري الستاليني. وفي ظل سياسة "البيريسترويكا" (إعادة البناء) التي طبقها غورباتشيف، نُفذت المحاولات المتواضعة الأولى لإضفاء طابع ديمقراطي على النظام السياسي السوفياتي. فتنافس مرشحون عدة. واتبعت عمليات اقتراع سرية في بعض الانتخابات التي أُجريت لملء مناصب في الحزب والحكومة".

ظل نجاح هذه السياسات محدوداً لأنها لاقت المقاومة من الأباراتشيك (البيروقراطيين الشيوعيين). ولكن لا شك في أن غورباتشيف أرسل إشارة تؤكد أن أيام القمع القديمة في الداخل والمغامرات السياسية الطائشة في الخارج قد انتهت. فمنذ يومه الأول في الحكم عام 1985، عقد العزم على سحب القوات السوفياتية من أفغانستان... هدف حققه عام 1989. في تلك السنة عينها، بينما كانت الثورات تجتاح أوروبا الشرقية، سمح غورباتشيف بسقوط الأنظمة الشيوعية بدءاً من برلين الشرقية حتى وارسو. فبدل أن يرسل الجيش الأحمر ليفرض النظام، سحب القوات السوفياتية، وترك الديمقراطية تزهر، واضعاً بذلك حداً للحرب الباردة.

هل لاحظنا أي إشارات إلى تبدل نوايا روحاني وسيده، آية الله علي خامنئي؟ لا أظن ذلك.

ألقى خامنئي أخيراً خطاباً نارياً وصف فيه إسرائيل بـ"الكلب المسعور في المنطقة"، وادعى أنه "محكوم عليها بالهلاك". كذلك اتهم الولايات المتحدة الأميركية بارتكاب "أعمال غير إنسانية"، مثل قصف هيروشيما وناغازاكي بقنابل ذرية. لربما يمكن التغاضي عن هذا الكلام، كما تُفضل إدارة أوباما على ما يبدو، واعتباره مجرد خطاب "غير مريح"، حتى لو كانت خطابات قادة مثل هتلر وستالين وماو تسي تونغ قد برهنت أنها دليل واضح على أعمالهم ونواياهم. كذلك ما من أعمال كثيرة أقدمت عليها الإدارة الإيرانية تُظهر أنها قررت تبني مسار ألطف وأكثر اعتدالاً.

لطالما كان مسؤولو إدارة أوباما تواقين إلى الإشارة إلى ادعاءات مجتمع الاستخبارات الأميركي عن أن إيران أبطأت تخصيبها اليورانيوم. ولكن إذا وضعنا جانباً السؤال: "هل يملك المحللون الاستخباراتيون الأميركيون فهماً أدق لبرنامج إيران النووي، مقارنة بنظرتهم إلى برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية؟"، نلاحظ أن هذا التباطؤ يعود إلى أن الملالي قد طوروا كل القدرات التي يحتاجون إليها لإنتاج قنبلة.

في هذه الأثناء، ما من مؤشر في سورية (التي تمثل لإيران اليوم، إذا جاز التعبير، ما كانت عليه أفغانستان بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي) إلى أن طهران تتراجع عن دعمها للأعمال غير الإنسانية التي يرتكبها الرئيس بشار الأسد ضد شعبه. على العكس، تؤكد كل الدلالات أن الدعم الإيراني للأسد، الذي يُقدم الجزء الأكبر منه من خلال مقاتلي "حزب الله"، ما زال راسخاً، رغم الضربة التي تلقتها إيران أخيراً مع تفجير مجاهدَين سنّيين نفسيهما قرب سفارتها في بيروت. وقد لقي أكثر من مئة ألف سوري حتفهم، وما زالت حصيلة القتلى ترتفع يوماً بعد آخر.

علاوة على ذلك، ما من مؤشرات تُظهر أن إيران ستنهي حربها ضد الانشقاق الداخلي. فقد أخبر أحمد شهيد، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول وضع حقوق الإنسان في إيران، أخيرا الجمعية العامة أن إيران أطلق سراح نحو 12 شخصا "سُجنوا لأسباب تتعلق بالضمير"، إلا أن المئات ما زالوا معتقلين، كثيرون منهم محرمون مما يحتاجون إليه "من غذاء وماء وعلاج طبي".

بالإضافة إلى ذلك، ما زالت "أساليب عقاب غير إنسانية، مثل الرجم والبتر" معتمدة في إيران. وقد نُفذت 724 عملية إعدام بين يناير عام 2012 ويونيو 2013، علما أن 150 منها حدثت، وفق التقارير، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة التي كان فيها روحاني رئيساً. كذلك أشار شهيد: "أُلقي القبض على نحو 15 صحافياً منذ شهر يناير عام 2013 (يصبح بالتالي مجموع رجال الإعلام والمدونين المعتقلين 70). كذلك أُقفل نحو 67 مقهى إنترنت في شهر يوليو وحده، في حين حُجب أكثر من 5 ملايين موقع إلكتروني". أخيراً، "ما زالت الأقليات الدينية، بما فيها البهائية، والمسيحية، والإسلام السنّة، والطائفة اليارسانية، تواجه قيوداً قوية تحد من حقوقها، مثل حرية التعبير والاجتماع والتنظيم، في حين أن أقليات إثنية ولغوية أخرى تعاني انتهاك حقوقها في القانون وعلى الأرض". يجب ألا ننسى أن هذه الإدانة لم تصدر من دبلوماسيين إسرائيليين أو محافظين جدد أميركيين عاقدي العزم على خوض حرب مع إيران. فشهيد وزير خارجية سابق من جزر المالديف يعمل راهناً بروفيسوراً زائراً في جامعة مدينة نيويورك في بروكلين وجامعة إسيكس في بريطانيا، ولا يُعتبر بالتأكيد من الصقور المناهضين لإيران.

من المؤكد أن تقريره عن انتهاكات حقوق الإنسان واضح. وإذا أضفنا إليه الأدلة الأخرى، يقوض أي دعم لنظرية أن روحاني وخامنئي عاقدا العزم، مثل غورباتشيف، على تنفيذ عملية إعادة بناء أساسية لنظام قمعي. قد يكونان مستعدين لأن يُعلقا مؤقتاً برنامجهما النووي مقابل تخفيف العقوبات. ولكن ما من إشارة إلى أنهما مستعدان لإنهاء حربهما الباردة ضد الغرب، كما فعل غورباتشيف، خصوصاً أن هذا يتطلب تفكيك كامل البرنامج النووي.

* ماكس بوت | Max Boot