شركة تتربع على رصيد نقدي هائل يبلغ 150 مليار دولار تخطط لإصدار سندات بقيمة 17 مليار دولار لإعادة شراء أسهمها؟ يبدو ذلك كما لو كان نكتة سمجة، والمفارقة أن شركة "أبل"- وهي المعنية هنا- تعلم ذلك بصورة تامة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، تيم كوك، في مكالمة حديثة له عبر الهاتف حول الأرباح، "نحن نقدر كثيراً كل المداخلات التي وردتنا من العديد من مساهمينا حول الطريقة المفضلة لتوظيف أموالنا النقدية"، وأبدى كوك خلال حديثه حرصا شديداً على ألا يظهر بصورة ساخرة. كان كوك على وشك الكشف عن توسيع برنامج الشركة لإعادة الشراء من 100 مليار دولار ليصل إلى 130 مليار دولار، لكن- كما تبين في وقت لاحق- فإن الكتلة النقدية المتوافرة لدى الشركة موجودة ولن يصيبها النقص، وأن "أبل" سوف تلجأ إلى الاقتراض بدلاً من ذلك.سلوك غريبوقد فسر لوكا مايستري، الذي سيتسلم عمّا قريب منصبه كمدير مالي كبير في "أبل" الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك الغريب قائلاً: "بفضل النمو القوي والتوسع الدولي لشركة أبل في السنوات الأخيرة حققنا أرصدة نقدية جوهرية في الخارج (أوفشور)، بيد أن إعادة أموالنا النقدية الأجنبية في ظل قوانين الضريبة الأميركية الحالية سوف يكبدنا عواقب ضريبية كبيرة، ولا نظن أن ذلك سيكون في مصلحة مساهمينا".وعلى وجه التحديد فإن 88 في المئة من الأموال النقدية لدى شركة "أبل"- أو 130 مليار دولار- موجودة في الخارج، وإذا كان على الشركة إعادتها الى الديار فإن الضرائب سوف تأخذ قرابة الثلث منها. وفي السنة الماضية، عندما سألت لجنة الأسهم والمبادلات شركة "أبل"، عملاق صناعة الآي فون، عن أرباحها في الخارج أجابت بأن معظم تلك الأرباح نجمت عن فروع أيرلندية، وعبرت عن نيتها "لإعادة استثمارها بصورة غير محددة في عمليات خارج الولايات المتحدة". وإذا حصلت "أبل" على ديون في أوروبا، فإن العوائد يمكن أن تستخدم لإعادة الشراء، بينما يتعين دفع الفوائد والمبلغ الرئيسي المقدم من المستثمرين من أصل المبالغ النقدية المتوافرة في الفروع الأيرلندية.أرباح الخارجالإصدار الكبير للسندات الذي تخطط له "أبل" ليس الصفقة الوحيدة المدفوعة بشكل جزئي على الأقل بالأموال النقدية التي جمعتها شركات أميركية في الخارج، فهناك أيضاً عرض شركة "فايزر" بقيمة 98.7 مليار دولار لشراء "أسترا زينيكا"، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، الذي سيساعد الشركة الأميركية المتخصصة في تصنيع الأدوية والعقاقير على تشغيل الـ69 مليار دولار التي جمعتها من فروعها في الخارج. ومن المقرر أن تمضي شركة "جنرال إليكتريك" قدماً في صفقة استحواذ قيمتها 57 مليار دولار من أموالها في الخارج لشراء شركة الطاقة الفرنسية "ألستوم" ما لم تخفق الجهود الرامية إلى إتمام تلك الصفقة.قبل سنة فقط أحصت صحيفة "وول ستريت جورنال" 60 شركة أميركية كبيرة تملك كل واحدة منها ما لا يقل عن 5 مليارات دولار في الخارج في سنة 2011، وبلغت المبالغ المتراكمة لديها في الخارج 166 مليار دولار نقداً في سنة 2012. وقد تصدرت "جنرال إليكتريك" و"فايزر" تلك القائمة. كما أن شركة "مايكروسوفت، التي استحوذت على شركة "نوكيا" الفنلندية حلت في المركز الثالث. ويجعل ذلك من المنطقي أن نتوقع عروضاً من شركات غير أميركية مثل "ميرك" و"جونسون أند جونسون" للمشاركة في عمليات استحواذ، وهما تحتلان المركزين الرابع والخامس على اللائحة المذكورة على التوالي.وحسب تقديرات "بلومبيرغ نيوز" فإن المبالغ التي تراكمت بواسطة الشركات متعددة الجنسية خارج الولايات المتحدة وصلت إلى 1.95 تريليون دولار مرتفعة بذلك بنسبة 11.8 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وتشير وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إلى تقديرات أدنى تبلغ 947 مليار دولار فقط. وتحفز تلك الأموال أنشطة دمج واستحواذ على مستويات لم نشهدها منذ الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، وقد بلغ سوق صفقات الاندماج والاستحواذ العالمي 1.2 تريليون دولار حتى تاريخ العام الجاري، مع إتمام 47 في المئة من الصفقات نقداً.توجه نحو العالميةوربما كان من الحكمة قيام الولايات المتحدة بوضع قوانين ضرائب ترغم الشركات الأميركية على التوجه نحو العالمية، ويسهم ذلك في تعزيز الاستقرار المالي في تلك الشركات وتسريع نموها وزيادة قدرتها على الوصول إلى التقنية المبتكرة، وهو، في النهاية، خطوة تخدم مساهمي الشركات الأميركية والحكومة في آن معاً.وتشعر أوروباً أيضاً بسعادة لرؤية الاستثمارات الأميركية، ربما باستثناء حكومة فرانسوا هولاند الاشتراكية في فرنسا، التي تبذل جهودا مضنية للتصدي لنمط غير ملائم له سياسياً، بالسماح لشركة تم إنقاذها من الإفلاس في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، أن تنتقل إلى الأيادي الأميركية.وعلى أي حال، سوف يكون من المثير للاهتمام معرفة وجهة تدفق المبالغ النقدية للشركات الأميركية إذا تبنت الولايات المتحدة خطة أيرلندا في فرض ضريبة شركات بنسبة 12.5 في المئة. بعض الشركات، بما في ذلك العديد من شركات التقنية الكبرى مثل "غوغل" و"فيسبوك"، قد تتشبث بخططها المعروفة باسم "المضاعف الايرلندي" و"الشطيرة الهولندية"، وقد تشعر شركات أخرى بإغراء التوسع في الوطن. وكما قال وزير المشاريع الايرلندي، ريتشارد بيرتون، ذات مرة "نحن لا نقدم اعتذاراً لأن لدينا أنظمة مصممة لتحسين التوظيف في هذا الاقتصاد"، وبينما يتوافر لدى الولايات المتحدة مزيد من الهوامش لأداء دور عالمي، فقد يتعين عليها أيضاً الاهتمام بتحسين نموها.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky
مقالات
لِمَ اضطرت «أبل» إلى اقتراض 17 مليار دولار؟
03-05-2014