ترى جهات دبلوماسية بارزة في بيروت أنه ليس من قبيل المصادفات أن يتزامن انتهاء فترة «التجربة واختبار النوايا» التي حددها الاتفاق بين إيران والدول الغربية في شأن البرنامج النووي الإيراني، مع انتهاء الفترة التي حددها المجتمع الدولي للنظام السوري من أجل التخلص من ترسانته الكيميائية.

Ad

وتبدي هذه الجهات في ضوء التزامن المذكور اعتقادها بأن المجتمع الدولي قرر التعاطي مع الملفين السوري والإيراني بالتقسيط ومن خلال سياسة المراحل. وهو لذلك يعمد الى فكفكة العقد واحدة بعد الأخرى في سياسة بديلة عن سياسة قلب الطاولة على اللاعبين دفعة واحدة.

ويشير سفير دولة غربية كبرى في بيروت الى أنه يتفهم المخاوف التي تعبر عنها بعض الدول العربية، والخشية من أن تستغل إيران الاتفاق مع الغرب من أجل تصعيد حملتها على دول خليجية عدة كما سبق للنظام السوري ان استغل الاتفاق في شأن ترسانته الكيميائية من أجل الانقضاض على خصومه الداخليين والتفرغ العسكري والأمني لضرب المعارضة المسلحة التي تسعى لإسقاطه.

لكن السفير نفسه يدعو الى عدم التأثر بالحملة النفسية التي يشنها النظامان السوري والإيراني ضد خصومهما في المنطقة، معتبرا أن رضوخ كل من دمشق وطهران لشروط الغرب في شأن ترسانتيهما من أسلحة الدمار الشامل لا يمكن أن يشكل على المديين المتوسط والبعيد منطلقا لاستهداف دول الجوار، بل هو بداية تدحرج في حجارة الدومينو التي ستنتهي برضوخ النظامين لشروط المجتمع الدولي كاملة وليس العكس.

ويذكر السفير الغربي في بيروت بتجربتي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العراق، والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي في ليبيا، موضحا أن صدام حسين الذي اضطر إلى الانسحاب من الكويت بعد اجتياحها خضع لعقوبات أضعفته واضطرته إلى الخضوع لبرنامج قاس من العقوبات وعمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل انتهت به الى المصير الذي وصل إليه ولو بعد ثلاث عشرة سنة.

كما أن العقيد الليبي معمر القذافي اضطر كثمن لالتقاط الأنفاس بعد طول عقوبات غربية عليه بعد تفجير طائرة لوكربي الى الرضوخ لتسوية مع الغرب تعدت إطار التعويض لأسر الضحايا الى التخلي عن برنامجه لأسلحة الدمار الشامل. لكن ذلك لم يعفه من المصير المحتوم عندما دقت الساعة الدولية لرحيله.

ويعتبر السفير الغربي في بيروت أنه من المغالاة والمبالغة وسوء الحسابات والتقدير بمكان أن يعتبر النظامان السوري والإيراني أن تخليهما عن ورقتي السلاح الكيميائي والنووي سيسمح لهما بتحقيق أطماعهما التوسعية على حساب محيطهما بطرق أخرى أو بالرهان على عامل الوقت، وأن هذا التخلي هو مكسب وانتصار ونقطة قوة لهما.

وبحسب هذا السفير فإن مرحلة الأشهر الستة المقبلة ستثبت أن النظامين السوري والإيراني سيكونان أمام استحقاقات تسديد فواتير جديدة للمجتمع الدولي على حساب مشاريعهما في كل من العراق وسورية ولبنان ودول الخليج وليس العكس. فالاتفاق بين النظامين السوري والإيراني في شأن البرنامجين الكيميائي والنووي لا يعني في أي شكل من الأشكال إطلاق يدهما في الشرق الأوسط والخليج، بل هو خريطة طريق للتراجع المتدرج وصولا الى التسليم الكامل بضرورة التخلي عن السلطة بالنسبة الى بشار الأسد، وبضرورة التخلي عن تصدير الثورة بالنسبة الى النظام الإيراني. أما إذا لم يقتنع النظامان بالواقع الجديد وأظهرا أن ما يقومان به من حملات إعلامية في الوقت الحاضر يتعدى الدعاية السياسية الى المشروع السياسي فإنهما سيجدان نفسيهما اعتباراً من النصف الثاني من السنة المقبلة أمام جولة جديدة من الضغوطات الدولية عليهما بما يرغمهما على الرضوخ ووقف المكابرة.