دوحة تمقت الطيور

نشر في 24-10-2013
آخر تحديث 24-10-2013 | 00:00
 مسفر الدوسري صوت مُجرّد يُهدّد أمن دولة!

صوت فقط يجعل هذه الدولة بكل جيشها العتيد، وشرطتها، واستخباراتها، وأمنها السري، والقواعد الأجنبية الموجودة على أراضيها لحمايتها، وكل علاقاتها الخارجية بالدول الأخرى، ترتعب فزعاً ورعباً من صوت!

يقض ذلك الصوت مضجعها، يشعرها بعدم الأمان، يجعل الخوف يسري في مفاصلها، ويكاد الدم يتوقف في مجرى شرايينها، يُخيف ذلك الصوت الحمام الساكن في «دوحتها»، ويُربك إشارات المرور في شوارعها ولا يضيء منها سوى اللون الأحمر!

تُستنفر قوات الطوارئ، وقوات الصاعقة، والفرقة الخاصة، ومختلف أجهزة الدولة الأمنية وغير الأمنية لإلقاء القبض على ذلك الصوت، ويتم القبض عليه فعلاً متلبساً بتهمة إلقاء الشعر.

يُلقى به خلف القضبان بعد تفتيشه تفتيشاً دقيقاً جداً، قاموا بتعريته خوفاً من أن يكون ذلك الصوت قد خبّأ تحت ثيابه قصيدة عنقودية، أو كلمة حادة، أو حرفاً خطيراً يستخدم كأداة للقتل.

ارتاحت الدولة عندما لم يجد رجالها شيئاً في كل المخابئ السرّية لذلك الصوت، وكادت الدولة أن تنام بعدها قريرة العين، شعرت أنه قد آن الأوان للاستغناء عن أقراص المسكّنات التي تتناولها لعلاج ذلك الصداع المزمن الذي لازمها بعض الوقت... وبعض الأدوية التي وصفها عباقرة الطب لتساعد على ضبط نبضات القلب، وتلك الأخرى التي وُصفت لخفض ضغط الدم، ومن ثم قرّرت الدولة استئناف دورها الإقليمي والدولي في مساندة الثورات والثوار الباحثين عن الحرية في مختلف بقاع الأرض منفقة من أجل ذلك مليارات الدولارات والجهد والرحلات المكوكية السرية، كما صعّد إعلامها حِدّة خطابه المناصر للمظلومين و»الغلابى» والظامئين للحرية والعدالة!

وما إن بدأت الدولة بذلك حتى فوجئت بعد برهة من الزمن أن ذلك الصوت المرمي وراء الجدران العالية وفي ذلك السجن الانفرادي مازال قادراً على تهريب الشعر من خلف القضبان والأسوار، ليتخطى الحدود الجغرافية للدولة ويصل أبعد مما كان!

اقتيد الصوت للمحاكم مكبّلاً بالأصفاد، محاطاً بالأسلحة المصوبة في اتجاهه، كانت التهمة جاهزة: تهديد أمن الدولة، وكذلك الحُكم.

بعد طول ذهاب وإياب من ذلك الحبس الانفرادي إلى قاعات المحاكم وردهاتها صدر الحكم: حكمت المحكمة حضورياً على الصوت بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ!

لم يصرخ الصوت عالياً كما في الأفلام العربية: «مظلوم يا بيه... والنبي مظلوم»، لم ينهر جاثياً على ركبتيه، بل بدا وكأنما هو فرِح بهذا الحكم، ربما لأن المحكمة لم تحكم عليه مدة مماثلة... بالصمت! بالرغم من يقينه أن ليس بإمكان تلك المحكمة بأي حالٍ من الأحوال أن تحكم بهكذا حكم.

الحكم بدا لكثيرين قاسياً جداً... وتقصديّ جداً... والأكثر أنه لا إنساني جداً...! إلاّ أنه في ذات الوقت أثار أسئلة راوغت المرايا وقتاً طويلاً... على شاكلة:

هل الدولة بهذه الهشاشة ليهز أمنها مجرد صوت يرمي القصائد الحادّة، أم أن الصوت بهذه القوة المرعبة التي قد تقلب نظام حُكم؟!

هل بمقدور طائر أي طائر أن يمحي اللون الأخضر من ثياب دوحة؟! وهل من الممكن أن تحمل دوحة ما كل هذا الحقد على صوت طائر؟!

أما السؤال الأصعب فهو: هل بإمكان سجن ما أن يصادر الكلمات من فم صوت؟!

back to top