بعد مرور نحو خمس سنوات، تخرج نتيجة تقرير ديوان المحاسبة حول «الداو» كلاماً مكرراً قيل طوال السنوات الماضية، مفاده أن الديوان يقف ضد إلغاء العقد، معتبراً أن من حقائق المشروع الواضحة أنه تمت دراسته والجدوى الاقتصادية منه، ومر بمراحل موافقات رسمية وفق القوانين والنظم واللوائح، وهذا ما ردده كل من عمل وأشرف على المشروع!

Ad

تنازع شخصان وذهبا إلى جحا – وكان قاضيا – فقال المدعي: لقد كان هذا الرجل يحمل حملا ثقيلا، فوقع على الأرض، فطلب مني أن أعاونه، فسألته عن الأجر الذي يدفعه لي بدل مساعدتي له، فقال "لا شيء"، فرضيت بها وحملت حمله. وها أنذا أريد أن يدفع لي اللا شيء.

فقال جحا: دعواك صحيحة يا بني، اقترب مني وارفع هذا الكتاب. ولما رفعه قال له جحا: ماذا وجدت تحته؟ قال: لا شيء. قال جحا: خذها وانصرف.

هذه احدى قصص ونوادر جحا التي تشابه الى ما خلص آلية تقرير ديوان المحاسبة الخاص بعقد "الداو" بعد تكليفه من مجلس الأمة بإبداء الرأي في العقد بدءا من التفاوض وانتهاء بتداعيات فسخ العقد وقرار التحكيم، حيث جاءت النتيجة "لاشيء" او كما يقول المثل "فسر الماء بعد الجهد بالماء".

ولو نظرنا الى الهدف الأساسي لوجود ديوان المحاسبة لرأينا ان دوره يتحقق في الرقابة الفعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها والتأكد من استخدامها الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها، لكن في نموذج مشروع "ك-داو" للاسف لم يتم صون المال العام وتم العبث به على الرغم من اخطار ديوان المحاسبة بتبعات الغاء الصفقة وفقا للقانون بالمشروع وهي رقابة لاحقة.

كلام مكرر

وما يحزن في كيفية التعامل مع قضية "الداو" انه بعد مرور ما يقرب خمس سنوات ان تخرج النتيجة هي الكلام المكرر طوال السنوات الماضية بأن الديوان يقف ضد إلغاء العقد، معتبرا ان من حقائق المشروع الواضحة انه تمت دراسته والجدوى الاقتصادية منه، ومر بمراحل موافقات رسمية وفق القوانين والنظم واللوائح وهذا ما ردده كل من عمل واشرف على المشروع! الا ان البعض استقبل التقرير بفرحة معنوية رغم انه كان من المتوقع التعرف على المتسبب في خسارة المال العام اكثر من ملياري دولار اضافة لخسارة الفرصة الاستثمارية.

وذكر التقرير في ديباجة متعارف عليها دائما وهي "الشماعة" لكل قضية او مشروع معطل مع عدم ايجاد حل لها وهي ان الأبعاد السياسية والمماحكات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هي التي عرقلت تطور القطاع النفطي من خلال إلزام مؤسسة البترول وشركاتها التابعة بإلغاء مشاريع استراتيجية حساسة ذات مردود ايجابي على القطاع النفطي وتطوره، الأمر الذي انعكس سلبا على المصدر الوحيد والأساسي للدخل في الدولة وأهمية تعظيم الاستثمار فيه, والنتيجة "لاشيء"!

الدولة ضد الدولة!

ولكن اخطر فقرة تضمنها تقرير الديوان هي ان الجهود المهنية المتخصصة التي بذلت للوصول الى اتفاق الشراكة لم تكن ذات صدى لدى جهات ومؤسسات الدولة! وهنا يرد سؤال: هل الدولة وبعض مؤسساتها تقف امام مشروع للدولة؟ ولماذا لم يشير التقرير الى هذه الجهات لكي يعرف المجتمع؟ وهل من الضروري مستقبلا اخذ موافقة هذه الجهات قبل أي مشروع ام يجب اشراكها بوضع استراتيجية "مؤسسة البترول"؟

ويكمل التقرير انه حتى بعض الأفراد وكتاب صحف تناولوا شأنا عاما هم ليسوا أصحاب تخصص فيه، وهذا الامر اشارة واضحة الى ضعف امكانيات اعلام "مؤسسة البترول" وشركاتها التابعة علما ان لديه امكانات واستراتيجية لجهاز الاعلام للوصول بالكويت للريادة العالمية! لكن اتمنى ان يتم ترميم سمعة الكويت وتحديدا القطاع النفطي داخليا قبل المستوى العالمي لانه اذا كانت المؤسسة لم تستطع ان تسوق لمشروع وان وسائل الاعلام يمكنها الغاء المشاريع فلن تستطيع ان نصل في الكويت الى الريادة مستقبلا, علما ان الضعف الاعلامي في تسويق المشاريع لم يكن وليد اللحظة وخير مثال مشروع حقول الشمال والمصفاة الجديدة فالاول تم الغاؤه والثاني الغي وتمت اعاته مرة اخرى.

الخلاصة ان القيادات النفطية يقرون ان اعلامهم ضعيف رغم وجود الامكانات لكن للاسف هم من يساهمون في تهميش الاعلام بذريعة الخوف من نواب الامة!

تسويف ومماطلة

ويبدو التسويف والمماطلة في التعاطي مع قضية "الداو" وعدم الجدية في تبيان الحقيقة، حيث ان ديوان المحاسبة اتخذ قراره بإنصاف مشروع الداو من دون الحصول على مستندات مهمة، وان الديوان لم تتوافر له المستندات التالية مثل تقرير اللجنة المشكلة بقرار مجلس الوزراء للتحقيق في تداعيات صدور قرار التحكيم بشأن عقد الشراكة علما ان التقرير موجود وتم تسليمه من رئيس اللجنة د. عدنان شهاب الدين. فلماذا لم يسلم التقرير المكون من 400 صفحة؟

ولم يستطع تقرير الديوان الا ان يختتم تقريره بديباجة وكلمات الانشاء حيث ذكر "ان من المهم ان تكون التجارب السلبية السابقة ايا كانت أسبابها دروسا قيمة تستوجب توخي المصالح العليا للوطن وللمصدر الوحيد والأساسي للدخل", فمن يتمعن بهذه الكلمات يعرف ان المتسبب لن تكشف هويته وان دفع الملياري دولار الى "الداو" ما هو الا قيمة لدرس للمستقبل، متناسين الدروس الماضية التي خسرت الكويت فيها ماديا وخسر المجتمع فيها الثقة والروح المعنوية.

خلطة وزير النفط

من الواضح ان وزير النفط د. علي العمير يستخدم المعادلات الكيميائية بحكم تخصصه في الكيمياء وتحديدا في "التفاعل المعكوس" وهو تفاعل كيميائي لا يستمر في اتجاه واحد حتى يكتمل. فقد ذكرنا في السابق انه حينما كان نائبا برر عقب الغاء صفقة "الداو"، ان رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد كان قد تعرض لضغط سياسي شديد، إذ لوح غير نائب باستجوابه ان لم تلغ الصفقة، مما دعاه إلى اللجوء إلى المجلس الاعلى للبترول لتدارس الصفقة، ومعرفة مدى اتباع الاجراءات القانونية، ولا ريب في ان تصور المجلس الاعلى وقتذاك انها لم تخضع للجهات الرقابية الثلاث، الامر الذي استوجب الغاء الصفقة.

بينما رده حاليا: "مشروع المشاركة كي داو ذو جدوى اقتصادية وقد اثنى عليه مجلس الوزراء وعلى صحة الاجراءات القانونية الخاصة بالمشروع في قراره رقم 1262 الصادر بتاريخ 28/12/2008 حيث استمع المجلس الى شرح قدمه محافظ بنك الكويت المركزي حول تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية وآثارها المختلفة على الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد، واصدر المجلس قراره بالطلب من المجلس الاعلى للبترول مباشرة الاجراءات اللازمة لالغاء العقد كما نؤكد ان العقد لا يتضمن شرطا جزائيا ولكن سقفا للتعويض".

هذا التضارب واضح في التبرير بين العمير النائب والوزير. كما ان السؤال هنا: منذ متى يتم اخذ رأي محافظ البنك المركزي؟ وهل هي رسالة انه هو المتسبب؟ ولماذا بعد الغاء الصفقة قامت الهيئة العامة للاستثمار بشراء أسهم ممتازة في شركة "الداو" رغم وجود ازمة مالية وان مصانع الشركة سكراب كما سوق البعض؟!

 الخلاصة: هل سيتم تقييد قضية "الداو" ضد مجهول؟