حجة واضحة لمصلحة إنتاج الأرز الذهبي

نشر في 21-02-2014
آخر تحديث 21-02-2014 | 00:01
الآن تُزرَع المحاصيل المعدلة وراثياً على 10% من الأراضي الزراعية في العالم، ولم تحدث أي عواقب وخيمة كان الخُضر يخشون وقوعها، ولا شك أن المحصول المهندس وراثياً الذي يتسم بالقدرة على منع الإصابة بالعمى بين نصف مليون طفل يستحق عناء زراعته حتى لو كان ذلك ينطوي على بعض المخاطر.
 بروجيكت سنديكيت إن منظمة Green Peace "السلام الأخضر"، المنظمة غير الحكومية البيئية العالمية، تقود الاحتجاجات عادة، لكنها في الشهر الماضي تحولت إلى هدف للاحتجاجات.

الواقع أن باتريك مور، المتحدث باسم المحتجين- وهو ذاته عضو سابق في منظمة "السلام الأخضر"- اتهم المنظمة بالتواطؤ في قتل مليونين من الأطفال سنوياً، وكان يشير إلى الوفيات الناتجة عن نقص فيتامين (أ)، الذي يشكل حالة شائعة بين الأطفال الذين يشكل الأرز بالنسبة إليهم الغذاء الرئيسي.

ويزعم مور أن هذه الوفيات يمكن منعها باستخدام "الأرز الذهبي"، وهو شكل من أشكال الحبوب المعدلة وراثياً بحيث يزيد محتواها من مادة "البيتا كاروتين" مقارنة بالأرز العادي، وقد عارضت منظمة "السلام الأخضر"، جنباً إلى جنب مع منظمات أخرى، استخدام العضويات المعدلة وراثياً، ونظمت حملة ضد إدخال "البيتا كاروتين"، والتي تتحول في جسم الإنسان إلى فيتامين (أ).

الواقع أن أرقام الوفيات التي ساقها مور قد لا تخلو من المبالغة، ولكن ليس هنالك شك في خطورة نقص فيتامين (أ) بين الأطفال، خصوصاً في أجزاء من إفريقيا وجنوب شرق آسيا، فهو وفقاً لمنظمة الصحة العالمية يسبب العمى في نحو 250 ألفا إلى 500 ألف من الأطفال في سن ما قبل المدرسة في كل عام، ونصف هؤلاء يموتون في غضون 12 شهراً.

ويزيد نقص هذا الفيتامين أيضاً من احتمالات التعرض لأمراض مثل الحصبة، وما زال من أهم أسباب الوفاة بين الأطفال الصغار، ولو أنه في تراجع الآن نتيجة للتطعيم، وفي بعض البلدان يشكل نقص فيتامين (أ) أيضاً عاملاً رئيسياً في ارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات أثناء الحمل والوضع.

والأرز الذهبي، الذي ابتُكِر قبل خمسة عشر عاماً بواسطة علماء سويسريين، يعالج نقص فيتامين (أ) على وجه التحديد، وقد أجريت عليه أول الاختبارات الميدانية قبل عشر سنوات، بيد أنه لا يزال غير متاح للمزارعين. في البداية، كان هناك حاجة إلى تطوير أصناف محسنة تزدهر حيث تشتد الحاجة إليها، وكان لابد من إجراء المزيد من التجارب الميدانية لتلبية القواعد التنظيمية الصارمة التي تحكم إطلاق العضويات المعدلة وراثياً، ثم ازدادت هذه العقبة ارتفاعاً عندما دمر بعض الناشطين الحقول في الفلبين حيث كانت هذه التجارب تجرى.

واعتبر المنتقدون أن الأرز الذهبي جزء من مخططات صناعة التكنولوجيا الحيوية لفرض هيمنتها على الزراعة في أنحاء العالم المختلفة، لكن رغم أن شركة المشاريع الزراعية العملاقة "سينغينتا" ساعدت في تطوير الأرز المعدل وراثياً، فقد أقرت الشركة بأنها لا تخطط لاستغلاله تجارياً. فسوف يمتلك المزارعون بذورهم ويصبح بوسعهم الاحتفاظ بالبذور من محاصيلهم.

والواقع أن شركة "سينغينتا" منحت حق إعادة ترخيص الأرز لمنظمة غير ربحية تسمى "المجلس الإنساني للأرز الذهبي"، ويملك هذا المجلس، الذي يضم العالِمين اللذين اخترعاه، حق توفير الأرز للمؤسسات البحثية العامة والمزارعين من ذوي الدخول المنخفضة في البلدان النامية لاستخدامات إنسانية، ما دام لا يتقاضى في مقابله أي زيادة عن ثمن بذور الأرز العادية.

عندما تم تطوير المحاصيل المعدلة وراثياً لأول مرة في ثمانينيات القرن العشرين، كانت هناك أسباب للحذر، فهل تكون هذه المحاصيل صالحة للاستهلاك الآدمي بأمان؟ ألن يحدث تلقيح بينها وبين النباتات البرية فتمرر إليها الصفات التي أعطيت إياها، مثل مقاومة الآفات، وبالتالي خلق "أعشاب ضارة خارقة" جديدة؟ وفي التسعينيات، كنت بوصفي مرشحاً لمجلس الشيوخ عن حركة الخُضر الأسترالية من بين أولئك الذين ساقوا الحجج لمصلحة فرض قيود تنظيمية قوية لمنع شركات التكنولوجيا الحيوية من تعريض صحتنا وبيئتنا للخطر من أجل زيادة أرباحها.

والآن تُزرَع المحاصيل المعدلة وراثياً على نحو 10% من الأراضي الزراعية في العالم، ولم تحدث أي من العواقب الوخيمة التي كان الخُضر يخشون وقوعها، ولا توجد أدلة علمية جديرة بالثقة تشير إلى أن الأغذية المعدلة وراثياً تسبب المرض، رغم أنها تخضع لقدر أعظم من التمحيص والتدقيق مقارنة بالأغذية الأكثر "طبيعية". (الأغذية الطبيعية أيضاً من الممكن أن تفرض مخاطر صحية، كما أظهرت أخيراً الدراسات التي أثبتت أن نوعاً شعبياً من القرفة من الممكن أن يحدث تلفاً بالكبد).

وعلى الرغم من إمكانية حدوث التلاقح بين المحاصيل المهندسة وراثياً والنباتات البرية، فلم تظهر حتى الآن أي أعشاب خارقة، وينبغي لنا أن نكون سعداء بهذا- ولعل القواعد التنظيمية التي تم فرضها في الاستجابة للمخاوف التي أعربت عنها المنظمات البيئية لعبت دوراً في الوصول إلى هذه النتيجة. ولابد من الحفاظ على القواعد التنظيمية لحماية البيئة وصحة المستهلكين، فالحذر معقول، لكن ما يحتاج إلى إعادة النظر هو المعارضة الكلية المحبطة لفكرة العضويات المعدلة وراثياً برمتها.

في التعامل مع أي إبداع لابد من وزن المخاطر في مقابل الفوائد المحتملة، وحيثما كانت الفوائد ضئيلة فإن حتى أقل قدر من المجازفة يصبح بلا مبرر؛ ولكن عندما تكون هذه الفوائد كبيرة فإن الأمر يستحق خوض قدر أعظم من المجازفة.

وينبغي للقواعد التنظيمية أن تكون مميزة على سبيل المثال للفارق بين إطلاق محصول معدل وراثياً يتمتع بالقدرة على مقاومة عُشبة الغليفوسات (الأمر الذي يسهل على المزارعين السيطرة على الأعشاب) من جانب، وإطلاق محاصيل مهندسة وراثياً قادرة على مقاومة الجفاف ومناسبة للمناطق المعرضة للجفاف في البلدان ذات الدخل المنخفض، على الجانب الآخر، وعلى نحو مماثل فإن المحصول المهندس وراثياً الذي يتسم بالقدرة على منع الإصابة بالعمى بين نصف مليون طفل يستحق عناء زراعته حتى لو كان ذلك ينطوي على بعض المخاطر. ومن عجيب المفارقات هنا أن المحاصيل المقاومة لعشبة "الغليفوسات" تُزرَع تجارياً على ملايين الهكتارات، في حين لا يزال الأرز الذهبي (الذي لم يثبت أنه يفرض على صحة البشر أو البيئة أي مخاطر على الإطلاق) ممنوعاً من الانطلاق.

في بعض الأوساط البيئية تكاد المعارضة الشاملة للعضويات المعدلة وراثياً تشبه أداء يمين الولاء- حيث يُنظَر إلى المعارضين المنشقين باعتبارهم خونة متآمرين مع صناعة التكنولوجيا الحيوية الشريرة، والآن حان الوقت لتجاوز مثل هذا الموقف الأيديولوجي الضيق. وقد تلعب بعض العضويات المعدلة وراثياً دوراً مفيداً في تعزيز الصحة العامة، وأدواراً أخرى في مكافحة تحدي زراعة الأغذية في عصر تغير المناخ، وينبغي لنا أن نتأمل في مزايا كل نبات معدل وراثياً على أساس كل حالة على حِدة.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. ومن بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "الخُضر" (الذي اشترك في تأليفه مع مؤسسة حركة الخُضر الاسترالية بوب براون)، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top