العنف في العراق... كيف التصرف حياله؟!
يتعين على الرئيس أوباما أن يعرض على المالكي إمكان استخدام القوات الخاصة وقدرات الطائرات بدون طيار- لكن ضمن شروط معينة هي: يجب على المالكي البدء باحتواء السنّة والتوقف عن ملاحقتهم، وأن يعيد تشغيل برنامج «أبناء العراق» الذي ضم 100 ألف من السنّة لمواجهة تنظيم «القاعدة».
قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أخيراً بزيارة إلى الولايات المتحدة لإجراء اجتماعات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الأميركيين بمن فيهم الرئيس باراك أوباما. يبدو وكأن مدة طويلة من الزمن قد مرت منذ أعلن أوباما "نجاح" حرب العراق قائلاً "نحن نترك وراءنا هناك دولة ذات سيادة ومستقرة تعتمد على نفسها، مع حكومة تمثيلية انتخبت من الشعب".جاء ذلك الخطاب- الذي مثل لحظة إنجاز المهمة بالنسبة إلى أوباما- في 14 ديسمبر عام 2011 في فورت براغ في كارولينا الشمالية، وبعد ما يقارب السنتين لا يزال العراق يعاني، وقد عاد العنف إلى مستويات سنة 2008 مع معدل وسطي بلغ 68 سيارة مفخخة في الشهر. لا توجد أرقام دقيقة ولكن التقديرات تشير إلى مقتل 7000 شخص في هجمات إرهابية في هذه السنة، و"يحذر" الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية من أن الأمور قد تمضي بسهولة نحو الأسوأ، مع "مسار تنازلي قد يفضي الى حرب أهلية".
حتى البيت الأبيض يقر بأن تنظيم "القاعدة" في العراق حقق عودة مرعبة، وتمكن من توسيع ذراعه إلى سورية ويبدو مثل "شبكة تهديد متنقلة عبر الدول يمكنها الانتقال من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة". وفي حقيقة الأمر، يوجد خطر حقيقي تماماً في قدرة جبهة "الدولة الإسلامية في الشام والعراق" (داعش)- مثلما أعاد تنظيم "القاعدة" تشكيل نفسه في العراق- على تعضيد إمارة أصولية تمتد من غرب العراق إلى شمال سورية وتتحول إلى الوضع الذي كانت أفغانستان عليه قبل سنة 2001: تربة جذب وتفريخ للجهاديين الإرهابيين.بالطبع، ليست كل الأمور بغيضة في العراق اليوم، كما أن واحدة من البقع المضيئة ارتفاع إنتاج النفط بنسبة 50 في المئة عن مستواه في عام 2005. وكردستان العراق- التي غدت دولة منفصلة تقريباً في الوقت الراهن تشهد أيضاً فترة من الازدهار والرخاء، لكن الصورة الإجمالية قاتمة وعلى المالكي ألا يلوم سوى نفسه، ولو أنه انتهج سياسات شاملة بقدر أكبر لتمكن من دفع الطائفة السنّية إلى العودة إلى حمل السلاح مثلما فعلت من قبل حين انقلبت ضد "القاعدة" في العراق خلال 2007- 2008. لكن المالكي بدلاً من ذلك سمح لمخاوفه بالانطلاق بقوة من خلال استهدافه كبار الشخصيات السنّية بعمليات اعتقال واضطهاد.وعمد السنّة الذين شعروا بأنهم محاصرون إلى المقاومة والرد عبر الطريقة الوحيدة التي يعرفونها؛ سيارات متفجرة تستهدف الشيعة. وهذه هي الاستراتيجية الدامية التي يتقنها تنظيم "القاعدة" ومارسها في العراق من سنة 2003 إلى 2007, وهي تنطوي على خطر تكرار ما حدث في تلك الأيام السوداء عندما ردت فرق الموت الشيعية بعمليات تعذيب وقتل للسنّة.وتتمثل المشكلة بأنه على الرغم من سهولة رؤية المسار المهلك، فإن من الصعب عكسه إلى الاتجاه المضاد، كما أن الإدارة الأميركية، التي لم تكن مهتمة بشكل خاص بالعراق في المقام الأول، فقدت معظم تأثيرها عندما سحبت القوات الأميركية من العراق في نهاية سنة 2011. ويأمل المالكي الآن شراء عتاد أميركي متقدم بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "إف- 16" ومروحيات هجومية، وهذا يعطينا بعض النفوذ- لكن بقدر ضئيل فقط، وذلك لأن العراق دولة غنية بما يكفي لشراء أسلحة من روسيا أو الصين أو حتى فرنسا إذا قررت الولايات المتحدة عدم بيعه عتادا عسكريا. قدرات خاصةعلى أي حال توجد قدرات معينة لدى الولايات المتحدة لا تستطيع أي دولة أخرى مضاهاتها، والتي يتعين على واشنطن استخدامها في محاولة للتأثير في التصرفات العراقية. وكما أوضحت وثائق إدوارد سنودن فإن لدى الولايات المتحدة قدرات استخباراتية لا تضاهى خصوصاً في مجال التنصت الإلكتروني ويمكن مشاطرة تلك الإمكانات مع العراقيين، ولدى الولايات المتحدة أيضاً طائرات بدون طيار وقوات عمليات خاصة ساعدت في الماضي على كشف تنظيم "القاعدة" في الشبكات العراقية، وإذا تم إرسالها الى العراق فقد تنجح في عمل ذلك من جديد.يتعين على الرئيس أوباما أن يعرض على المالكي إمكان استخدام تلك القوات والقدرات- لكن ضمن شروط معينة هي: يجب على المالكي البدء باحتواء السنّة والتوقف عن ملاحقتهم، وبشكل محدد، عليه أن يعيد تشغيل برنامج "أبناء العراق" الذي ضم في الفترة ما بين سنة 2007 و2008 حوالي 100 ألف من السنّة بغية القتال ضد تنظيم "القاعدة" في العراق. وكان لهذه الميليشيا الموالية للحكومة دورها البالغ الأهمية في نجاح استراتيجية "زيادة عدد القوات" في العراق، كما أنها ستساعد على تحفيز الدخول في عملية أصغر من "زيادة عدد القوات"- من النوع الذي لن يشتمل على أي قوات برية أميركية تقليدية بل تتضمن المزيد من العمليات الخاصة ورجال الاستخبارات من أجل العمل مع نظرائهم العراقيين.قد توفر إعادة العلاقات التي كانت قائمة بين القوات العسكرية الأميركية والعراقية المزيد من الفوائد من خلال تزويد الجانب الأميركي بقدر أكبر من "الوعي بطبيعة المواقف" على أرض الأحداث في العراق. وسيسمح ذلك للعناصر الأميركية بمساعدة قوى الأمن العراقية على مقاومة محاولات المالكي لإساءة استخدام تلك القوات بغية تحقيق أهداف سياسية.وسوف توفر للولايات المتحدة أيضاً نظرة أكثر عمقاً بالنسبة إلى المكائد الإيرانية في العراق: اكتسبت إيران قوة منذ مغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية، ونظراً لعدم وجود دعم أميركي يعول عليه تحول المالكي إلى إيران من أجل الحصول على النصح والدعم في محاربة تنظيم "القاعدة" في العراق، ولكن لسوء الحظ فإن الايرانيين هم من متشددي الشيعة الذين يسهم تورطهم فقط في تعميق راديكالية السنّة ويجعل الوضع أكثر تفجراً وخطورة.إن درجة أكبر من المشاركة الأميركية في العراق ضرورية من أجل التصدي لإيران، لكن من غير المرجح حدوث ذلك لأنه يتضارب مع رغبة أوباما في الإنسحاب من الشرق الأوسط بأي ثمن. ومن غير المحتمل أيضاً أن يتخذ هذا الرئيس الواثق بأكثر مما ينبغي أي إجراء يشير إلى أن انسحابه في عام 2011 كان خطأ- وكان كذلك حقاً، ومن شأن ذلك، لسوء الحظ، أن يزيد من احتمال استمرار العراق في الغرق في بحر من الدماء.* ماكس بوت | Max Boot