"لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، هي الرواية الأولى التي أقرأها للروائي خالد خليفة، ونالت الرواية استحسان بعض الزملاء الذين أثق برأيهم في الأعمال الروائية وكنت أتوقع منها أكثر مما وجدت فيها.

Ad

ولكي أكون منصفا مع ذائقتي الروائية أولاً أجدني أمام نص روائي كتب بعناية فائقة حمل رسالته السياسية الواضحة والمباشرة في انهيار الانسان الذي يعيش تحت سطوة الحكم الشمولي والضراوة العسكرية في تجربة هي الأكثر بؤسا في القرن الماضي.

وما يحدث اليوم على أرض الواقع ليس سوى نتاج تلك القسوة للأجهزة السرية والعلنية التي أوصلت الانسان إلى الكفر بانسانيته.

ولأن الخط الدرامي الأساسي للرواية معروف تاريخيا وهو معاش في فترة قريبة جدا لم يمر ما يكفي من الزمن ليصبح تاريخا بعيدا يستحضره الكاتب، ولأن سورية ليست بلدا على الهامش فأغلب حكايات هذا الخط تم تداولها بشكل أو آخر.

أما ما ذهب اليه الروائي بشكل مواز لهذا الخط وكنتيجة تبدو حتمية لحياة كهذه، هو حياة الأسرة التي عاشت تحت وطأة هذه التجربة القاسية وانهيار مثلها وأخلاقها وتباين أفكار أعضائها وتوجهاتهم وان كنت لا أرى أن التركيز على الجانب الجنسي سبيلا للتعبير عن هذا الانهيار. امتلأت الرواية بشخصيات عديدة كانت ترى أن التهتك والانحلال الأخلاقي هو المقاومة الوحيدة التي تمتلكها للتعبير عن السخط كشخصيات ضعيفة، وشخصيات أخرى خارج الأسرة ترى في فرض التهتك والانحلال للتعبير عن نفوذها الذي تمارسه ضد الحلقات الأضعف في المجتمع. كان ذلك مبالغا فيه لدرجة التشويه المقصود.

الذي استوقفني هو استخدام أحد أعضاء الأسرة راوياً وهو أسلوب لا غرابة فيه، أما أن يكون ملما بكل التفاصيل الخاصة بغرف نوم لم يدخلها وعلاقات ثنائية تحدث في دبي وباريس وينقلها لنا من حلب فذلك يترك مساحة من عدم الثقة بالحكي وورطة الروائي في الخروج من دور الراوي الى تعدد الأصوات الروائية والذي كان ممكنا ولا يشكل عقبة في السرد وهو أكثر اطمئنانا الى المروي.

ما أزعجني هو استخدام ما يعرف بالتقنية الروائية بـFragment وهي حالة يستخدمها الروائي كي يذهب الى سرد خارج النسق يكون مرتبطا بالسرد الأصلي ويخدمه في اضفاء معلومة أو فكرة لا يحتملها السرد الأصلي. واستخدمها خالد خليفة بشكل مستمر في الرواية ولكن استخدامها كان تشتيتا للذهن وادخال شخصيات لا علاقة بالحدث؛ "فمنذر هو صديق سوسن في السرد الأصلي ولكن منذر ترك عمله لغليوم الفرنسي وهو صديق ايرين التي أحضرته صاحبتها التي لا نعرف اسمها الى غرفتها وايرين تنام ليلة الخميس مع شيرين حين تترك دلال صديقة شيرين الغرفة ودلال تختلف مع ايرين فيزوجها اخوتها الى قريبهم في فنزويلا وتصبح عاهرة ويقيدها أقاربها هناك ويرسلونها الى سورية حيث يقتلها الاخوة الأربعة ويتبرع الصغير بحمل الوزر ويسجن سنتين ليعود مرفوع الرأس الى أهله"، كل هذا لا علاقة له بالقصة الأساسية وهو جزء شاذ لا يخدم الرواية بل هو رواية بحد ذاته. أما عودته أكثر من مرة الى نقطة البداية فلا أجد لها مبررا أبدا.

أثر حشو الأسماء والشخصيات كثيرا في التفاعل مع الشخصيات الرئيسة للعمل، وكانت عودة الكاتب لتفاصيل حكاية فرغ منها في الفصل الأول ليعود اليها في الفصل التالي تثير الملل خصوصا وأن الأحداث برمتها لا تحتمل كل هذه الاطالة والاغراق في التفاصيل المكررة. وربما يشفع للكاتب موقفه السياسي من النظام السوري وتأريخه حتى كاد يضيع منه هذا الخيط في الخروج الى العراق وهو أيضا خروج غير مبرر.