طرحت هذا السؤال في آخر مقال لي من مقالات ثلاثة تحت عنوان "هل يخرج السيسي من عباءة حكم العسكر؟"، وكانت إجابتي عنه سريعة مقتضبة، بنعم وهي إجابة عززتها في مقالي الأحد الماضى باختلاف الظروف الدولية والداخلية، التي قامت فيها الثورتان، وهي الظروف التي تستكمل الحديث عنها في هذا المقال.

Ad

الظروف الدولية عام 1952:

كنت قد تناولت في مقالي الأحد الماضي، الظروف التي قامت فيها حركة الجيش في 23 يوليو 1952، في عالم خرج من أتون الحرب العالمية الثانية، وهو يحمل على عاتقه قضايا أساسية، منها الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر، وتصفية الاستعمار التقليدي، الذي كانت دوله وعلى رأسها إنكلترا وفرنسا قد تدهورت حالها في هذه الحرب، ومن هنا أصم العالم آذانه عن حركة الجيش في 23 يوليو 1952 وعزلها للملك فاروق وإعلانها سقوط دستور 1923 ومنعها المظاهرات وحلها الأحزاب السياسية، وعما جرى في مصر من محاكمات عسكرية، تشكيل محاكم استثنائية، فقد كان كل ذلك يعتبر شأناً داخليا في مصر.

الظروف الدولية عام 2011 وبعدها:

إلا أن عالمنا المعاصر، لم يعد هو عالم 1952، فقد اختفت فيه قواعد القانون الدولي العام التقليدية التي عاصرتها ثورة 23 يوليو وحل مبدأ التدخل الدولي في شؤون الدول، تحت شعار التحول الديمقراطي واحترام إرادة الشعوب، وأصبح يعرف ما يسمى بالرقابة الدولية على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتدخل الدولي لدعم الرؤساء المنتخبين من شعوبهم، والتدخل عسكريا لفرضهم واتخاذ أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)، ذريعة لتدخل الدول الكبرى في شؤون غيرها من الدول.

التدخل الدولي في ثورات الربيع العربي:

وهو ما شاهدناه عقب ثورات الربيع العربي في ليبيا وسورية، والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية على المجلس العسكري في مصر في الانتخابات الرئاسية لإعلان فوز الرئيس المعزول، رغم ما شاب هذه الانتخابات من تزوير كشفته أكثر من عشرين لجنة فرعية، وضغوط الدول الغربية والاتحاد الأوروبي لإعادة الرئيس المعزول، بعد ثورة شعبية في 30 يونيو أعلنت إرداتها في رفضه ورفض نظامه، وما تمارسه أميركا من ضغوط على مصر بوقف المساعدات التي تقدمها أميركا لمصر والتي كانت جزءاً من اتفاقية كامب ديفيد، باعتبارها ضمانا من أميركا لتنفيذ هذه الاتفاقية، ورفض واشنطن إرسال طائرات الأباتشي المتعاقد عليها لمصر، وما يمارسه الاتحاد الأوروبي حتى الآن من ضغوط على مصر دعما لجماعة الإخوان، وكان البيان الصادر مؤخرا من المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف، حول ما زعمه البيان من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، هو أحد وسائل الضغط التي يمارسها المجتمع الدولي على مصر.

وإن المجتمع الدولي يراقب عن كثب ويتابع خارطة الطريق لثورة 30 يونيو، التي أعلن فيها خطوات الطريق لتحول ديمقراطي سليم، بدءا بتعديل دستور 2012، وهو التعديل الذي جرى الاستفتاء عليه في 14 و15 يناير من هذا العام.

ولا يزال العالم يتابع باقي خطوات خارطة الطريق لانتخابات رئاسية يعقبها انتخابات برلمانية، وأن المجتمع الدولي لن يصمت أمام أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وأي محاولة لفرض حكم الفرد الواحد، وغياب الديمقراطية، وهو ما يعيه أي مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة.

ثقافتان مختلفتان:

فقد طغى حب الشعب والتفافه حول الرئيس جمال عبدالناصر على أفكار المثقفين في مصر، وكنا قد تناولنا في مقال الأحد الماضي غطاء المثقفين في حقبة الرئيس جمال عبدالناصر لغياب الديمقراطية من خلال المفهوم الجديد للحرية الحقيقية الذي استحدثه المثقفون في الميثاق الوطني عام 1962.

وكان من تداعيات هذه المفهوم في حقبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أن تقرر عزل بعض فئات الشعب وحرمانها من ممارسة العمل السياسي، حيث تسابق المثقفون إلى الانضمام لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية التي شكلها الرئيس جمال عبدالناصر بالقرار الجمهوري رقم 1789 لسنة 1961، لتحديد ماهية القوى الشعبية، وتحديد الفئات التي يجب أن يشملها العزل السياسي، في إرضاء النظام الحاكم.

وهو أمر لم يعد واردا بعد ثورة 25 يناير، فلا إقصاء للرأي الآخر، ولا إقصاء لفئة من فئات الشعب، أيا كانت الطبقة التي تنتمي إليها، وقد ألغى دستور 2014، ما ورد في دستور الإخوان (2012) من عزل لبعض فئات الشعب من ممارسة العمل السياسي، وهو ما يدركه إدراكا كاملا كل مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.